قبل نحو شهرين أثرنا في «شروق وغروب» مسألة بلدية بيروت في وقت كان مصير انتخابات المجالس البلدية والاختيارية غيرَ مبتوت بعد، فاحتمالات التأجيل كانت متوازية مع الإصرار على إجرائها في مواعيدها. في حينه تحدثنا عن خصوصية العاصمة وترحّمنا على الرئيس الشهيد رفيق الحريري ضامن المناصفة التي تتجاوز العدد الى المفهوم الوطني. يومها اتصل بي نائب بيروتي صديق ليقول: ألا ترى معي أنك أبكرتَ في إثارة هذا الموضوع منذ الآن؟ وأجبته بالمثل اللبناني السائر: «درهم وقاية خير من قنطار علاج». أمس اتصل النائب ذاته قائلاً: أرجو أن تتقبل اعتذاري، فليتهم عملوا على مواجهة هذه الأزمة منذ ذلك الحين.
طبعاً، لات ساعة مَندَم. لا سيما بعد الأجواء الطائفية المشحونة التي خلقوها جميعهم (أجل! جميعهم) قبيل وخلال وبعد جلسة يوم الخميس التشريعية، وما سبقها من بيانات ومنشورات عن مرجعيات ومقامات ونواب ومستنوبين تنضح بطائفية مخيفة، وتثبت أن كل ما يقوله كثيرون في مدح العيش المشترك ليس أكثر من ذرٍّ للرماد في العيون. في أي حال نود أن نؤكد على موقف ثابت وهو أن الحل لبلدية بيروت هو توزيع العاصمة على دوائر انتخابية عديدة، وهذه ليست بدعة فهي موجودة في قوانين الانتخابات النيابية منذ زمن بعيد وحتى اليوم… وأيضاً بلديات كبريات العواصم والمدن الكبرى في العالم تعتمد الدوائر المتعددة.
ولا نذيع سراً إذ نقول إن عزل المسيحيين عن مجلس بلدية بيروت سيكون له ضرر كبير ليس فقط على العهد في بدايته وهو المعقودة عليه الآمال العريضة، إنما أيضاً على البلد برمته. وإذ نأمل ألّا نصل الى ذلك، نكرر الدعوة الى حراك حقيقي فعّال من شأنه أن يتدارك أزمة نحن في غنى عنها.
اللهم، فاشهد أني قد بلّغت…
وللتذكير فإن مجلس بلدية بيروت ليس مثل المجلس البلدي في طرابلس أو أي مجلس بلدي آخر ليمر أعضاؤه، الذين هم من لون مذهبي واحد، مرور الكرام. ولا ضرورة للإسهاب والتفصيل في هذه النقطة، فلا نظن أن أحداً من المعنيين يجهل أو يتجاهل ماذا يعني وصول أعضاء مجلس بلدية العاصمة من دون أن يكون بينهم مسيحيون. وليؤذن لنا القول إن الإتكال على همة الناخبين (الذين أغرقوهم في الطائفية والمذهبية) ليس إلّا غباءً في غباء.