اعتقد رئيس النظام السوري السابق أن الفرصة سانحة لإنقاذ نظامه عندما صدّق الوعود التي قُطعت له بأن ينأى بنفسه عن حرب الإبادة على غزة أوّلاً ثم عنها وعن حرب الإبادة والاغتيالات والتدمير التي شنّها العدو الإسرائيلي على لبنان لاحقاً. لذلك تعامل مع الحرب المزدوجة (التي عرفوها بأنها حرب وحدة الساحات) وكأنها لم تكن، بل كأنه لم يكن عضواً في مجموعة الممانعة تحت قيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي لا تزال عشرات علامات الاستفهام مرتسَمة على إدارتها لهاتين الحربَين اللتين كاد الإعلام العالمي أن يُجمع على أن طهران خيّبت فيهما آمال حركة حماس وحزب الله. وكان هذا الاعتقاد من الأسد الإبن خاسراً مئة في المئة، إذ ما إن أُعلِنت الهدنة على الجبهة اللبنانية حتى انهار كل شيءٍ وتحوّلت أحلام الرئيس السوري السابق الى كوابيس مرعبة، ليجد نفسه في الطائرة التي أقلته الى موسكو ليحلّ نزيل اللجوء السياسي في بلاد القياصرة.
وما أذهل العالم كلّه تقريباً ليس فقط الإنهيار المخزي لخمسة عقود وثلاث سنوات من الديكتاتورية المتوحشة، إنما كذلك أقبية ودهاليز وسراديب التعذيب بأكثر أنواعه بشاعة ووحشية، ما يفوق المعروف حتى عن النازية ذاتها. إن ما تبدّى، حتى الآن، من فظائع مروّعة عن أساليب النظام البائد يكاد أن يتجاوز العقل، فهل من المعقول أن البشرية كانت تعيش في عالم يتغوّل فيه أي نظام الى هكذا حدود من اللاإنسانية؟!.
في أي حال، وفي الجهة المقابلة، من الضروري إعطاء النظام البديل في سوريا مهلة ليتمكن خلالها من ترتيب أوضاعه وتبيان ملامح جمهوريته التي يبدو أن لجنة من الخبراء القانونيين، لا سيما الدستوريين منهم، باشروا فوراً الاستعداد لورشة عملٍ ستكون مضنية من دون أدنى شك، لوضع دستور جديد للدولة السورية يزاوج بين الأصالة والحداثة على قاعدة العدالة والمساواة ووحدة الشعب والتراب.
وهذه مهمة شاقة جدّاً، لدولةٍ تعاني الكثير من الأحقاد والضغائن جرّاء تداعيات الديكتاتورية المتوحشة واقتطاع بعض أراضيها الستراتيجية، وخضوع معظم أنحائها الى احتلالات أجنبية وتضارب المصالح، وأكثر من ثلث شعبها على نزوح، ووضعها الاقتصادي والمالي على الأرض… والأخطر من هذا كله قرار دولي كبير، بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، بتجريدها من السلاح الستراتيجي، وهذه مهمة يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي بايدن قد أوكلتها الى الإسرائيلي الذي زامنَ انتصار الثورة بمئات الغارات التي استهدفت سلاح القوات السورية المسلّحة البري والجوي والبحري والأمني أيضاً بضربات قاصمة.