شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – المسيّرات والصواريخ يوم كان لبنان ذلك اللبنان

دافعان موجِبان وراء مضمون هذه العجالة. أمّا الأول فهو انطلاق عهد الرئيس العماد جوزاف عون الذي فرحنا به، مثل اللبنانيين كلهم، الذين يشعرون أنهم شركاء في هذا العهد، ليس في مفهوم الشراكة التي اعتدنا عليها طوال العقود المنصرمة، إنما «شراكة» الشعور بالمسؤولية تجاه هذا الرئيس الذي غمرنا بالاعتزاز بتسلمه أزِمّة الحكم، كما في النص الدستوري، وبالتالي الالتزام بالاقتناع القوي بأن نجاح الرئيس عون نجاح لبنان كلّه، بأطيافه كافة… وهو ما افتقدناه طويلاً وبات طموحنا الأول أن يتحقق. وأما السبب الموجِب الثاني فهو أزيز الطائرات المسيّرة التي لا يزال العدو الإسرائيلي يتحفنا بها تحلق فوق رؤوسنا، ولقد ذكّرني هذا الصوت بشبيه له زمن الدراسة الثانوية، ومنه أبدأ:

في ستينات القرن العشرين الماضي كان معهد الآباء الكرمليين في طرابلس (المعروف بـ «الطليان») أحد أعمدة المدارس المتفوقة في العلم والرياضة والوطنية الصافية، فوق الحزبية والمذهبية والطائفية، وهذا معروف عنه بامتياز. وفي نهاية العام الدراسي كان يُقام فيه حفلٌ مميّز برعاية الزعيم الوطني والعربي الرئيس الشهيد رشيد كرامي، وكنتُ أقدّمُ الحفل الكبير على امتداد سنواتي الثلاث في الثانوي الأول والثاني والأخير (سنة التخرج ما قبل الجامعة). وقصيدة عصماء لأستاذنا الكبير المرحوم أديب صعيبي (ابن بجه الماروني الذي كان يدرّسنا الأدب العربي والفلسفة الإسلامية)، وللزعيم الوطني رشيد كرامي. ومن فاعليات الاحتفال تسيير طائرة من ابتكار الراهب الكرملي العبقري الأب فرانسوا طنب، فكان يوجهها من قاعدة على المنصّة فوق طرابلس الفيحاء، ويبرمجها لتعود الى قاعدتها. يومها لم نكن ندرك أهمية وعظمة هذا الابتكار. في المناسبة الأب طنب كان عالِماً في الكيمياء، وفي الطبيعيات، وهو كان صاحب أكبر مجموعة تضم آلاف أنواعها، رحمه الله وشقيقه رئيس عام الآباء الكرمليين في الشرق الأوسط الأب جان طنب، رجل الدين والدنيا(…).

ولـمّا كان الشيء بالشيء يُذكَر، فنشير الى ما أنجزه معهد هايكازين، في القنطاري، من تصنيع وإطلاق صواريخ أرض – جو، وأخرى أرضية تجاوز مداها الـ 350 (ثلاثماية وخمسين كيلومتراً). ولا يسمح ضيق المكان بالتوسع في هذا الملف الذي كان يُدار بتعاون رائع بين معهد هايكازيان (إدارةً وأساتذة وطلّاباً) والجيش اللبناني.

فيا فخامة الرئيس العماد جوزاف عون، تعرف أكثر منّا مدى القدرة والنبوغ في شعبنا، وعليك نبني الآمال للاستثمار في هذا الشعب…

وختاماً يفرض السؤال ذاته: أين كنا وصلنا اليوم لو استثمرنا في هاتين التجربَتَين الرائدَتين، بدلاً ممّا أغرقونا فيه من صراعات وخلافات وإشكالات وطائفيات ومذهبيات وقبليات؟!.

khalilelkhoury@elshark.com