يتوجه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، اليوم، الى فرنسا وفي جعبته أوراق مهمة تؤكّد على أن عهده ينطلق بثبات، وإن كان يدرك، كما يعرف نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن المسار طويل وأن طريق العهد محفوف بأخطار جمّة، ومطباته أكثر من أن تُحصى، إلّا أن الثقة الكبيرة التي يتمتع بها الرئيس عون، في الداخل والإقليم، ومن الدول الفاعلة، إضافة الى مزاياه الذاتية، تشكّل نوعاً من كاسحة الألغام… وأهم الأوراق في يد الرئيس في محادثات قصر الإليزيه أنه يجريها وفي يده إنجاز تعيين حاكم المصرف المركزي والتعيينات العسكرية والأمنية وبعض التعيينات القضائية. وهذا الثلاثي المالي والقضائي والأمني يشكل أولوية القضايا الملحّة المطلوبة بإلحاح من الخارج لا سيما واشنطن وباريس إضافة الى المؤسسات المالية الدولية.
ولم يكتم رئيس الحكومة الدكتور نوّاف سلام غيظه من تعيين حاكم المصرف المركزي الجديد كريم سعيد، وهو ما كان ليعتلي المنبر الإعلامي في قصر بعبدا إلّا ليبلغ الى الرأي العام تحفّظه القوي عن تعيين الحاكم مؤكّداً عليه حتمية التزامه بسياسة الحكومة المالية. ولكن هل يمكن القول إن هذا الأمر أوجد شرخاً بين القصر الرئاسي والسراي الكبير؟!. الدلائل تشير الى أن لا شرخَ عميقاً، وأن ثمة شعراً قابلاً للالتئام بقليل من الجهد. فالرئيسان يعرفان دقة المرحلة والأوضاع التي لا تتحمل ترف الخلافات، وبالتالي لا يجوز أخذ التباين الى مكان أبعد ممّا هو عليه، كما يتمنى المتضررون من نجاح العهد وحكومته.
ويبقى على الحاكم سعيد أن يثبت جدارته ليس فقط أمام الوزراء كما حدث أمس، إنما في معالجة القضايا – الأزمات الكبرى التي يعاني منها البلد، وفي طليعتها إعادة الثقة الى النظام المصرفي اللبناني، والإسهام في وضع خطة لمعالجة حق المودعين في الحصول على ودائعهم وجنى أعمارهم، ورجوع العملة الوطنية الى صباها، أو الى البعض القليل منه. وعندئذ يكون الحكم على نهج الحاكم وأسلوب عمله، وليس على شبوبيته أو انتمائه السياسي، علماً أنه يُشهد له بالصدقية والثقافة المالية، وبأنه ليس «عضواً» في الجماعة السياسية بالمفهوم السلبي، مع أنه ينتمي الى بيت سياسي عريق قدّم، حتى الساعة، ثلاثة نواب هم المرحومان والده الطبيب أنطون سعيد ووالدته نهاد، الى شقيقه فارس.