في صغرنا كنا نستمع، في الكنيسة، الى إنجيل «الابن الشاطر»، وكنا نظن أن الشاطر هو الذكي الذي يبتدع الأساليب والحلول للعقد الصعبة، ولأنه كذلك كنا نستغرب لماذا أن أهلنا، وأيضاً الكاهن خادم الرعية، لم يحبوا هذا الذكي المتفوق… وبقي التساؤل يرافقنا سنواتٍ غيرَ قليلة، الى أن أدركنا أن الابن الشاطر في الكتاب المقدس، هو أحد الابنين، لرجل ثري، قرّر أن «يشطر» (أي يقسم) ميراث أبيه في حياته، ويغادر الى حيث يعيش على هواه وينفق من دون حساب، الى أن افتقر الخ…
استعدت هذه القصة الإنجيلية، ذات العبَر الكثيرة والمدلولات العديدة وأنا أعاين محاولات التذاكي والتشاطر، (من الشطارة وليس الشطر) اللذين باتا عنواناً للعمل السياسي في لبنان، وبالذات ما يُدار من لعب في الدستور من غير طرف، حتى يكاد أن يكون كلّ حراكٍ ملغوماً، وكل نشاط نوعاً من اللعب في الوقت الضائع.
وفي هذا السياق أود أن أزعم أن كل ما تقوم به حكومة تصريف الأعمال من مشاريع، وأيضاً كل ما يقره مجلس النواب من قوانين سيكون مدار مساءلة دستورية في المستقبل إذا استعاد لبنان عافيته ذات يومٍ يُؤملُ ألّا يكون بعيداً.
والمثال الصارخ، على ما نقول هو الحراك الذي قامت به المعارضة يوم الاثنين في مجلس النواب من خلال المبادرة التي تقدّم بها نوابها، والتي فهمناها دعوةً لحوارٍ، بصيغةٍ ما… ولكنها ليست الحوار الذي يعرضه الرئيس نبيه بري كمفتاحٍ لفك العقدة الرئاسية التي ما زالت تُعتبَر عصيّةً على الحلّ. واللافت أن النواب المعارضين الذين يأخذون على رئيس المجلس أنه يخترع أعرافاً جديدة يُخشى أن تصبح بمثابة القانون… وجاء الرد سريعاً، إثر تلاوة البيان المعارِض. فقد ردّد المنتقدون: كيف تعارضون حواراً يدعو إليه الرئيس بري وتنطلق مبادرتكم من حوار ولو أطلقتم عليه أي تسمية أخرى أو أي تصنيف آخر؟
في أي حال إن أوضاع البلد تفتقد الكثير من الصدقية والموضوعية، وهي تعاني خلَلاً كبيراً، ما يجعل لبنان في مهب رياح عاتية، لا تملك القيادات السياسية أن توجهها، والعكس صحيح.
لذلك إن الإبقاء على بعض النصوص الدستورية من دون تعديل يشكّل واقعاً مأزوماً، أزمته منه وفيه… وبالتالي لا مناص من التوافق الوطني على تلك التعديلات، أقله من أجل التوصل الى نصوص واضحة لا لبس فيها ولا إبهام، من شأنها أن تقطع الطريق على شغور في الرئاسة الأولى، وتحول دون الوقوع في أزمة عودة الروح الى الحكومة بتسريع تأليفها حتى يكون عملها قانونياً ودستورياً. وإلّا فسنظل عالقين في عنق زجاجة الأزمات والكوارث.
khalilelkhoury@elshark.com