ما نعاين في لبنان ومن حوله في المنطقة يكاد أن يكون أشبه بصورة سيريالية يتعذر فهم رأسها من ذيلها، بحيث يُترَك للقارئ أن يذهب في التفسيرات الى أبعد الحدود. وقبل الدخول في بضعة أمثلة على الواقع أود أن أُعطي مثالين على ذلك النوع من اللوحات: أوّلهما ذات يوم كنت وزوجتي في زيارة أحد الأصدقاء في دارته حيث لفتتني لوحة زيتية معلّقة في صدر أحد الجدران، وهي كناية عن صفحة سوداء كبيرة وفي إحدى زواياها دائرة صغيرة. سألتني سيدة البيت عن رأيي في هذه اللوحة التي أبدعتها أناملها الطرية، فاعترفتُ بأنني لم أفهم منها شيئاً. استغربت السيدة ضعف ثقافتي الفنية وقالت لي حرفياً: «ولو؟ هذا غيّاث». وغياث هو اسم الزوج. ولم أفه بكلمة.
والمثال الثاني أن ابن عمتي القيادي النقابي المرحوم الشيخ أمين آدم كان في زيارة الى نيويورك وشاء أن يعرّج على صديقه القديم الرسّام العالمي المرحوم صليبا الدويهي المعروف بأنه فنان كلاسيكي رائد، فاستقبله بحرارة في محتَرَفِه، تحوطه عشرات اللوحات من «الفن الحديث» المسمّى سيريالي، فعاتبه نسيبي بقوله: يا صليبا أنت الذي تتصدر لوحاتك الدور والقصور والكاتدرائيات الكبرى في العالم كله تنهي مسيرتك الكبرى بهذا النوع من «الفن»! فأجاب صليبا بصدق: ما تراه يتجاوز الفن الى… ملايين الدولارات!
أمّا اللوحة البانورامية في لبنان والمنطقة فمن نماذجها، بلمحة سريعة:
– «درون» تحلّق فوق مناطق جنوبية يدعو مكبر الصوت فيها الى المقاومة، في وقت درونات العدو ومقاتلاته الجوية تملأ سماءنا ليلاً ونهاراً، من دون أن تُرشق أي منها بوردة. – رجب طيب أردوغان يتحدث عن تحضير كمين لتركيا، بينما يؤكّد على دوره الكبير في التطورات السورية مع دعمه اللامحدود لحكم الرئيس الانتقالي أحمد الشرع. – الصليب الأحمر الدولي يتحدث عن أن الاحتياجات التي هي أكبر من طاقته في الساحل السوري، بينما تُنجَز المسودة الأخيرة للدستور الذي يتحدث عن حقوق الناس. – إيران تعلن عن بدء المحادثات النووية، اليوم الخميس، مع روسيا والصين، فيما تتحدث وزارة خارجيتها عن رسالة الى طهران من واشنطن ستسلمها إياها دولة عربية…
منصّات الأحوال الجوية والمناخ تكشف عن أننا، في لبنان والمنطقة، لا نزال تحت وطأة حرارة طبيعية فوق معدلاتها الموسمية… فماذا عن حرارة السياسة والكمائن والمقاومة والجنوب والمنطقة العازلة؟!.