يبدو المشهد السياسي اللبناني معيباً بكل ما للكلمة من معنى. فلقد تحوّلت ساحة الاستحقاق الرئاسي الى مشهد خرافي جدّاً، والى خشبة صراع بين الأطراف الإقليمية والخارجية، أمّا اللاعبون فيسعون الى مصالحهم، وهذا طبيعي، وأما أهل السياسة عندنا فكأنهم رفعوا الأيدي استسلاماً الى الإملاءات الخارجية، في تنازل مخزٍ عن الدور، أقلّه في الجانب الإيجابي منه، باعتبار أنهم بارعون في السلبي، ومستعدون لحمل راية الرفض.
ونبادر الى القول ان ليس لنا مأخذ على اللاعبين الأجانب، إذ إنهم يسعون الى مصالح بلدانهم، أمّا الأطراف اللبنانية فمعظمها يبحث عن مصالح ذاتية ليست أكثر من فتات موائد أولياء أمورهم في الخارج.
فهل يُعقل المشهد الذي نعاينه في هذه اللوحة الرئاسية «السيريالية»؟ وهل هزُلت الى هذا الحد؟. نعرف ونُقرّ بأن اليد الأجنبية كانت دائماً حاضرة بنسبة أو بأخرى، في الاستحقاق الرئاسي اللبناني، ولكن أن تبلغ هذا الحد، وعلى عينك يا تاجر، فهو ما لا يتقبله العقل! لا سيما أن المتدخلين (ولا نقصد طرفاً واحداً منهم) لا يكتفون بأن يؤيدوا مرشحهم بل يذهبون الى وضع «الفيتو» على سواه.
وفي الجانب الآخر من الصورة صرنا في اليوم الرابع من العد العكسي ولا نعرف مَن هو الذي يرشح نفسه، ومَن هو الذي يرشحه الغير من الداخل والخارج… ولم نشهد مناظرة واحدة بين اثنين أو أكثر من الطامحين الى جنة بعبدا.
وقد يتنطّح قائل ليقول: ولكن الدستور لم ينص على حتمية التقدّم بالترشحات الشخصية أو الترشيحات من قبل الغير… وهذا قول صحيح ولكنه ليس سليماً، والجواب عليه منه وفيه، فهل ينص الدستور، في المقابل، على عدم جواز إعلان الترشح؟
وفي السياق ذاته للذين يتذرعون بعدم وجود النص الدستوري على إعلان البرامج، والجواب على هذا الكلام هو: وهل ينص الدستور على حظر إعلان البرنامج الذي يُفترض بالمرشح أن يلتزم به وينفذه في حال وصوله الى سدّة الرئاسة؟
وفي جانب آخر من الصورة الغريبة العجيبة يبدو هؤلاء المرشحون الذين يزيد عديدهم على العشرين، باستثناء قلة منهم، كأنهم خائفون أو خجولون… يا جماعة الجلسة بعد أربعة أيام، فأين أنتم، وما هي مواقفكم من حرب الإسناد والمشاغلة، والستراتيجية الدفاعية، والإحتلال الإسرائيلي وجرائم العدو ووحشيته، والخط الأزرق، وأموال المودعين، وجريمة تفجير المرفأ، والمفقودين في الداخل والخارج، وأحمد الشرع وهيئة تحرير الشام، وحرب أوكرانيا… وعشرات القضايا والأمور والحروب والأزمات والانهيارات الداخلية والخارجية…؟!
khalilelkhoury@elshark.com