لم يكن في مقدور حزب الله أن يتجاهل الخروقات الإسرائيلية الوقحة أكثر من خمسة أيام. فمنذ لحظة إعلان الاتفاق، رسمياً، لم ينتظر بنيامين نتنياهو أن يجفّ حبره ليخرقه. فهو بادر الى ذلك في اليوم الأول، بل في الساعة الأولى، واضعاً «المقاومة الإسلامية» أمام تحرُّجٍ كبير ، وواضعاً الاتفاق ذاته في الهشاشة ومهب الريح. ولم تُقتصَر عمليات العدو الاستفزازية على الشريط الحدودي الذي يفصل الليطاني عن الخط الأزرق فحسب، بل تخطتها الى جنوبي النهر، وأيضاً الى مناطق بقاعية، ما أوقع شهداء وجرحى ودماراً، ناهيك بما بقوم به جيش الاحتلال من «تفلية» البلدات والقرى بمنازلها داخل الشريط المشار إليه آنفاً، لا سيما المناطق التي كان يتمركز فيها مقاتلو حزب الله، الذين انسحبوا تطبيقاً للاتفاق الذي يخلو كلّياً من العدالة وروح المساواة إذ انه يعطي الإسرائيلي مهلة ستين يوماً لينسحب الى ما وراء الخط الأزرق باتجاه داخل فلسطين المحتلة، بينما فرض على حزب الله الانسحاب الفوري. وهذه ليست النقطة الوحيدة التي تمنح المحتل امتيازاً فاضحاً، فهناك الكثير غيرها ممّا جرى تداوله على نطاقٍ واسع في وسائط الإعلام، لذلك لا نرى ضرورة في استعادته، هنا، في هذه العجالة.
ماذا يترتب على هذه الخروقات الإسرائيلية، وهل تعني العودة السريعة الى الجبهة المفتوحة؟ أننا نستبعد ذلك في هذه المرحلة، وإن كنا لا نستبعد أي شيءٍ أو تطوّر مع العدو الذي يعرف الجميع أنه لا يلتزم بالاتفاقات والقرارات، بما فيها دولية المنشأ والمصدر والأممية كذلك.
إلّا أن هذا الواقع يضع على المحكّ صدقية الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا كونهما راعيتَي هذا الاتفاق، الذي يبدو مخلخلاً الى حد كبير، وليس ثمة أدنى شكّ في أنه يحمل في طيّاته بذور انهياره إن لم يكن في القريب العاجل ففي المستقبل غير البعيد، لا سيما مع رئيس وزراء العدو الذي يبدو أنه لم يصحَ، بعد، من سكرة النشوة التي ما زال غارقاً فيها، منذ اغتيال الشهيد الكبير سماحة السيد حسن نصرالله طيَّب الله ثراه.
فهل تبادر واشنطن وباريس الى لجم الوحش الذي تفلّت من داخل نتنياهو، فتضعان حدّاً لغروره الذي تجاوز الحدود كلها وقوانين الحرب كلها؟!.
ذلك هو السؤال المركزي، حتى اذا استمرت الخروقات الإسرائيلية بات كل شيءٍ وارداً، وعندئذ لن يفيد الندم ، ولن يكون مقبولاً من الأميركي والفرنسي أي عذر، لأنه سيكون (بالتأكيد) أقبح من ذنْب.