شرعنة الاقتصاد السوري

بقلم مروان اسكندر
قبل 1920 سنة تحديد حدود سوريا ولبنان والاردن والعراق كانت اقتصاديات المنطقة خاضعة لتوجهات قادتها علمًا بان تقلبات الحكم والمحكومين في لبنان كانت متنوعة وتسببت في مذابح خاصة بين الدروز والموارنة وكانت غالبية المذهبين في سكان الجبال المعتمدين على انتاج الزيتون والتفاح والتبغ والتين والمنتوجات التي تحقق نموا دون جهود كبيرة.
اتفاقات تشجيع التجارة العربية والاستثمار لم تأخذ حجمها الطبيعي الا بعد الحرب العالمية الثانية وسيطرة الولايات المتحدة وبريطانيا والى حد اقل فرنسا على تنشيط التجارة والاستثمار بين الدول العربية خاصة منها الدول المتجاورة.
ارتفاع احجام وتنوع التجارة العربية والاستثمارات ما بين مواطني الدول العربية المختلفين تعاظمت مع نمو وتطور صناعة النفط ومشتقاتها من منتجات الاسمدة ومعالجة الاسماك وثروات البحر من القريدس والمنتجات المشابهة.
لبنان وحده استمر في تبني اسس الاقتصاد الحر وتشجيع الاستثمارات بين المواطنين العرب وحاز لبنان من مواطني الدول النفطية كالسعودية والكويت والعراق على استثمارات ملحوظة ومتنوعة وبعد استقلال غالبية الدول العربية في المشرق العربي تحققت قفزات نوعية في مجالات مختلفة كان من بينها انسياب الكفاءات الطبية والادارية ما بين دول المشرق واحتل اللبنانيون موقع جيد في التعاملات مع السعوديين والعراقيين وتزايد عددهم في الكويت التي كانت بين اول دول الخليج التي تعلن استقلالها ودستور لاهلها.
الحكم السوري حتى من قبل رؤساء يحوزون كفاءات علمية خاصة في المجالات القانونية والقوانين التي سنها البريطانيون لحكام العراق وفلسطين ومن ثم بعد 1920 وتأسيس الاردن واستقلال الكويت وبدء تطوير امارة ابو ظبي اعتمادًا على حرية التجارة والتعامل مع الدول العربية.
الموجة الاشتراكية التي طاولت سوريا والعراق دفعت نسبة ملحوظة من رجال الاعمال في البلدين نحو الاستفادة من حرية النشاط الاقتصادي في لبنان، وبالتالي شاهدنا انشاء شركات الطيران، وكان لنا ثلاثة شركات قبل انضمامها في شركة واحدة، وكذلك كان تأثير الجامعة الاميركية على استقطاب الشباب في فلسطين والبحرين والكويت وسوريا واضيف الى الجامعة الاميركية تأثير الجامعة اليسوعية التي تعتمد النظام
الفرنسي، وتبنى لبنان اواسط الخمسينات قانون سرية المصارف بمبادرة من العميد ريمون اده، فازدهرت تحركات المصرفيين في تأسيس مؤسسات تدار حسب الاصول المتعارف عليها في ذلك الوقت، وحافظت الليرة اللبنانية على قيمتها بالنسبة للدولار الذي كان قد اصبح بعد الحرب العالمية الثانية العملة الاساسية للدول الحديثة.
شهد لبنان تحولات جذرية منذ اواسط السبعينات لان التواجد الفلسطيني المسلح وانفاق الفرق الفلسطينية استقطب مؤيدين سياسيين ولم تستمر المناصب في تجاوز التأثيرات السياسية، وقد انقسم اللبنانيون بنسبة 30-35% من المؤيدين للنظام الاقتصادي الحر وتملك العقارات وشاهدنا انجاز مراكز تجارية في مواقع لم تكن مقبلة على انجاز هكذا مراكز وبدأت حركة تشييد الابنية للفنادق، ومكاتب شركات الخدمات ومكاتب تشمل عدد من المهندسين ومستشفيات حديثة، وهذا الاندفاع للاستثمار في لبنان والاستفادة من تجهيزاته وتوافر مؤسسات التعليم المتقدم سواء للذكور او الاناث جعل لبنان بلد استقطابي للكفاءات والحركات السياسية التي كانت تعاظمت مع توسع انتماء الفلسطينيين الى تحركات تهدف لاستعادة اراضي فلسطين التي اصبحت قضية جوهرية للمناقشات والمقابلات التلفزيونية والراديو والمحاضرات والمناظرات، وقد اصبح البلد في تلك الفترة يثق بالمعترضين لتحقيق احلام العروبة واللبنانيين من رعيل رجال الاستقلال الذي تحقق عام 1943.
لقد نعم لبنان بسيرة جذابة في الفترة 1970-1975 ومهد لذلك صداقات وطدها الرئيس كميل شمعون ووزير خارجيته شارل مالك، والرجلين كانا ينظران الى المستقبل من زاوية الانضواء الى الاحزاب التي تتجاوز تعاليم الحزب القومي الاجتماعي، ويمكن تذكير المواطنين بان اعدام رئيس الحزب القومي الاجتماعي انطون سعاده اوائل الخمسينات ودون محاكمة عادلة ادى الى تعديل التوجهات اللبنانية للحكام عن السعي للانتساب الى الوحدة التي كانت مطروحة على بلدان الشرق الادنى لاتفاق دفاعي مع بلدان مثل الباكستان، وقد اخفق هذا السعي وادى بالنتيجة الى تقوية الحركات المناهضة للتوجه نحو الغرب وفي الوقت ذاته حققت حركة الاحزاب الفلسطينية المتعددة ضغوطًا لاستقطاب الادارة اللبنانية واصبح هنالك فريق متحكم بالسياسة اللبنانية يقوده ياسر عرفات الذي كان اهتمامه الاساسي تعويض خسارته ربح السيطرة على الاردن في ايلول 1970 وفي ذلك الوقت حقق الجيش الاردني انتصارًا كبيرًا على محاولة الفلسطينيين التحكم في الحكم في الاردن الذي كان يحتوي على نسبة مهمة من مجموع سكان الاردن في ذلك الوقت.
من المعروف ان الصدام ما بين اللبنانيين المتحمسين لاستقلال لبنان والجيش اللبناني ومجموعة ياسر عرفات تسبب في معارك وخسائر في الارواح وتفشي اتساع دوائر العمل للفلسطينيين والسوريين الذين وفدوا الى لبنان لايقاف صدام دامي ما بين الفئات اللبنانية والفصائل الفلسطينية وكان ذلك عام 1973، وبالفعل خسر اللبنانيون
استقلالهم في تسيير شؤون البلد واصبحت حرية تأسيس المؤسسات والمصارف محصورة بمن يحظى بالعناية والرعاية السورية.
السيطرة السورية على القرار الحكومي في لبنان اصبحت متجلية قبل العام 1980 وقد تسببت في احتلال اسرائيل للبنان عام 1982 من جنوبه وحتى بيروت حيث تعرض 4 ضباط اسرائيليين للاغتيال من قبل شاب لبناني في شارع الحمراء.
الهيمنة السورية على الاقتصاد اللبناني توسعت رغم مساعي رفيق الحريري الى تلطيف المناخ مع الرئيس حافظ الاسد لكن الهيمنة السورية اصبحت ذات ضرر شاسع منذ تولج الرئيس بشار الاسد رئاسة سوريا، وقد اصبح نجاح أي مؤسسة رهن العلاقات مع السوريين الذين استطاعوا التحكم بالحركة الاقتصادية في لبنان، وكان اوسع الامور التي هيمنت على الاقتصاد اللبناني السيطرة على حساب تهريب المشتقات النفطية الى سوريا، وتبين للبنك الدولي ان هذه السيطرة طاولت 35% من المشتقات النفطية التي كانت تستورد مع دعم لاسعارها لان قيادة انتاج الكهرباء في حينه تمنعت عن توسيع الشركة وتحسينها بعد تحقيق رفيق الحريري تامين لبنان بطاقة مستحدثة بلغت مع محطتين محليتين في بعلبك والنبطية حوالى 1060 ميغاواط.
اليوم نشهد اقبال السوريين على تنشيط دورهم من جديد في السيطرة على استيراد مشتقات النفط. فقد بدأنا نشهد احتفالات بتأسيس شركة النفط العربية اللبنانية منذ 50 عامًا، والواقع انه تأسست منذ 50 عامًا وكان المؤسس هو اقتصادي معروف من عائلة الاخرس وهو عم السيدة زوجة الرئيس السوري اليوم، والشركة بدأت برنامجها الاعلاني بعد غياب طويل عن الساحة منذ اسابيع وذلك بعد ان استطاعت السيدة الاولى في سوريا السيطرة على املاك ابن عم الرئيس السوري والتي تشمل الشبكة الاولى للهواتف الخليوية والتي شجعت السيدة الاولى على تأسيس شركة ثانية باسم Asmatel وسيطرة السيدة الاولى على اسهم شركة النفط العربية المؤسسة من 50 سنة في لبنان من قبل عمها الاقتصادي المعروف الدكتور الاخرس.
من المعلوم ان قيمة المشتقات النفطية في البلدان النامية تشمل نسبة 7-8% من الدخل القومي، والسيدة الرئيسية تستطيع تامين تسليمات النفط لمصفاة حمص التي تبلغ طاقتها 50 الف برميل يوميًا، وقد اصبحت هذه المصفاة الوحيدة العاملة تحت وصاية وقرار الحكم الحالي، ومن اين تأتي الرئيسة بالنفط الخام للتكرير؟ لقد تأمن لها الحصول على 50 الف برميل يوميًا من انتاج سوريا للنفط الخام والذي يبلغ 370 الف برميل يوميًا، وهذا الانتاج خاضع للسيطرة الاميركية وبالتالي لم تجد السيدة الاولى سوريًا أي حرج في شراء النفط السوري من الطرف الاميركي الماسك بالانتاج والذي سيتمسك بهذا الانتاج لفترة طويلة. ولا شك ان السيدة الاولى التي حققت انجاز السيطرة على شركة التكرير القريبة من حمص ستستعمل هذه الامكانية للتوسيع في المستقبل القريب
ولن يكون هنالك من العجب ان تستطيع استقطاب مشاركة في شركات النفط اللبنانية. وهكذا تعود سوريا الى لعب دور اساسي في الاقتصاد اللبناني.
مروان اسكندر

التعليقات (0)
إضافة تعليق