سوريا: عمامة المفتي تُسقط المشروع الإيرانيّ

بقلم زياد عيتاني

«اساس ميديا»

عودة منصب المفتي العام للجمهورية السوريّة توازي بأهمّيتها سقوط نظام بشار الأسد. هو القرار الأوّل الذي يكرّس هذا السقوط، ليس للنظام وحسب، بل أيضاً للمشروع الإيراني بأكمله، الممتدّ من العراق مروراً بسوريا وصولاً إلى لبنان.

في شهر تشرين الثاني 2021 أصدر بشار الأسد مرسوماً بإلغاء منصب مفتي الجمهورية، ناقلاً صلاحيّاته إلى المجلس العلمي الفقهي التابع لوزارة الأوقاف. اصطنع بالشراكة مع مفتي الجمهورية في حينه أحمد بدر الدين حسّون مشكلة كان حسّون بطلها، وهو الذي ألقى خطبة في حفل تأنيب المطرب السوري صباح فخري في مدينة حلب، حيث أشار إلى أنّ خارطة سوريا مذكورة في القرآن الكريم بسورة “التين”. وأضاف أنّ “الله سبحانه وتعالى أقسم ببلاد التين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين، أي مكّة المكرّمة. في هذه الجغرافيا خلق الله الإنسان في أحسن تقويم فإذا تركها (في إشارة للمهاجرين) رددناه إلى أسفل السافلين، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات”. وتساءل حسّون بشار مواصلاً كلامه: “لماذا ذكر الله التين والزيتون وسيناء ومكّة المكرّمة؟”.

أجاب: “لأنّه في سيناء تكلّم مع موسى، وفي مكّة تكلّم مع سيّدنا إبراهيم، وفي أرض التين والزيتون (سوريا) جمع كلّ الأنبياء في صلاة واحدة خلال الإسراء والمعراج”، خاتماً كلامه بالقول: “إنّ حدود سوريا تمتدّ من غزة إلى أنطاكيا وإسكندرون وقبرص وتبوك”.

حسّون والتّين

تفسيرات حسّون الهمايونية* لسورة “التين” جعلها بشار مطيّة لإلغاء منصب مفتي الجمهورية ناقلاً صلاحيّاته إلى المجلس العلمي الفقهي التابع لوزارة الأوقاف. وذلك ضمن مرسوم تحت رقم 28 ينصّ على إلغاء المادّة رقم 35 من القانون الناظم لعمل وزارة الأوقاف التي يسمّى بموجبها المفتي العامّ للجمهورية.

أزال بشار الأسد بهذا القرار الرمزية التي يشكّلها مفتي الجمهورية للأكثرية السنّية في سوريا عندما أوكل مهامّه إلى مجلس يضمّ رجال دين من مشارب ومذاهب وأديان مختلفة، من علويين وشيعة وممثّلين من عدّة طوائف مسيحية. وبالتالي تصبح الفتاوى الصادرة عن المجلس هي فتاوى تراعي الواقع السياسي وليس واقع أكثرية الشعب السوري، فتصبح الهويّة الدينية السنّية أكثرية متساوية مع هويّات أخرى، من حيث الرمزية والهيمنة الدينية، على الرغم من أنّها كلّها مجتمعة لا تتجاوز نسبة 20% من عديد الشعب السوري. لا بل أكثر من ذلك، فإنّ المجلس العلمي الفقهي بات يمتلك صلاحية إعلان بداية الصوم في شهر رمضان أو مواعيد عيدَي الفطر والأضحى. وهو ما يُخرج سوريا كاملة من الإجماع السنّي العربي.

هل يكون الشّيخ أسامة الرّفاعي مفتي الجمهوريّة؟

بعد قرار بشار الأسد إلغاء منصب مفتي الجمهورية، اجتمعت نخبة من علماء الدين السوريين في مدينة إدلب وقاموا بانتخاب رئيس المجلس الإسلامي السوري والعالم الدمشقي وابن العائلة التي اختصّت بالفقه وعلوم الدين الشيخ أسامة الرافعي مفتياً للجمهورية السورية. بعد ثلاث سنوات بالتمام والكمال على هذا الانتخاب، يترقّب السوريون قدوم الشيخ الرفاعي إلى دمشق ليكون المفتي الأوّل للجمهورية بعد سقوط نظام الأسد. فيما يدور في كواليس المؤسّسات الدينية الدمشقية كلام عن مرحلة انتقالية يتسلّم فيها الرفاعي منصب الإفتاء، يليها انتخاب علماء الدين المسجّلين والمعروفين لمفتٍ جديد، تكون أولى مهامّه إصلاح المؤسّسات الدينية في سوريا من عبث نظام الأسد وأجهزته الاستخبارية.تجدر الإشارة إلى أنّ مفتي الجمهورية في سوريا كان يُنتخب من قبل العلماء وليس الحكومة، قبل تسلّم حافظ الأسد مقاليد السلطة، إذ عمد فور وصوله إلى سدّة الحكم إلى إلغاء قانون الانتخاب، وبات المفتي يُعيّن بقرار من رئيس الجمهورية.

قال أستاذ العلوم الشرعية في كلّية الدعوة الإسلامية في سوريا الدكتور توفيق بلطجي في تصريح لـ”أساس” إنّ “أهمّية منصب مفتي الجمهورية في سوريا تتجلّى في أمور عديدة:

1- أنّه الرمز الديني للبلد.

2- أنّه المرجع الديني الفقهي الأعلى للأكثرية السنّيّة.

3- أنّه المشهود له من أمثاله العلماء في الفكر الإسلامي والعلم اللدني*.

كانت هذه المواصفات معتمَدة لاختيار مفتي الجمهورية من قبل علماء سوريا، أي المفتين في المحافظات المخوّلين وحدهم انتخاب المفتي العامّ بحرّية. وهذا ما حصل عندما كانت الانتخابات تتمّ بحرّيّة تامّة قبل تسلّم حافظ الأسد السلطة”.

لا تضع عودة منصب الإفتاء إلى سوريا نقطة النهاية للمشروع الإيراني في سوريا وحسب، بل وفي العواصم العربية التي سبق لإيران أن أعلنت احتلالها. ولا ينسى اللبنانيون عندما وصف السفير الإيراني مجبتى أماني من على منبر دار الفتوى في بيروت مفتي الجمهورية اللبنانية بـ”مفتي السُّنّة”. هي نهاية مغامرة صنعها ملالي إيران، وكُتب لها أن تسقط في عاصمة الأمويين دمشق.

 *الهمايونية: كلمة فارسية تُطلق على الفرمانات والقرارات التي كتبها السلطان العثماني عبد المجيد الأول وعُرفت باسم “الخط الهمايوني” لتنظيم بناء دور العبادة في جميع الولايات التابعة للدولة العثمانية، وطبق على كل الملل والأديان غير الإسلامية.

*العلم اللدنيّ: يعرف بالعلم الباطنيّ، وهو مصطلحٌ دينيٌّ يشير إلى العلم الذي لا يحتاج إلى حواسّنا الظاهرة لمعرفته. قد يستخدمه المتلقّي في فهم موقف من المواقف أو تفسير آية من آيات الله.

التعليقات (0)
إضافة تعليق