سقوط الاخوان وتفكيك الأكثريّة في انتخابات الكويت

بقلم خيرالله خيرالله

شهدت الانتخابات الكويتية الأخيرة واحدة من أكبر المشاركات الشعبية على الرغم من اجرائها في العشر الاواخر من رمضان حيث يتفرغ الكويتيون للعبادة. سبب ذلك اجتماع ارادات متعددة أهمها دعوة امير الكويت مشعل الأحمد في خطابه السنوي في العشر الاواخر من رمضان الناخبين الى التصويت والمشاركة بكثافة كي تعكس النتائج خياراتهم.

إضافة الى ذلك، دفعت حسابات الأطراف الفاعلة الى حشد كل الماكينات الانتخابية من اجل الفوز بأكبر عدد من المقاعد. والمقصود هنا تيار الغالبية السابقة في مجلس الأمّة (البرلمان) الذي يحركه اقطاب في اسرة الحكم بينهم الشيخ احمد الفهد وهذا ليس سرا، وتيار يحركه رئيس مجلس الامة السابق، مرزوق الغانم، لإعادة التوازن الى البرلمان الكويتي من خلال تأسيس كتلة برلمانية فاعلة.

الانتخابات انتهت وحجم التغيير نحو 22 في المئة واهم ما شهدته كان خسارة الاخوان المسلمين لعدد كبير من المرشحين. فالإخوان اعلنوا رسميا عن 4 مرشحين للحركة الدستورية الإسلامية هم محمد عبد الله المطر في الدائرة الأولى وحمد المطر في الدائرة الثانية وعبد العزيز الصقعبي في الدائرة الثالثة ومعاذ الدويلة في الدائرة الرابعة. نجح منهم فقط الصقعبي. إضافة الى ذلك، خسر المرشحون من الاخوان، الذين خاضوا الانتخابات بصفة غير رسمية، مثل عبدالله فهاد العنزي وعلي الكندري وحمد المدلج الانتخابات أيضا.

يعزو مراقبون سبب خسارة الاخوان الى انهم مارسوا سابقا في أدائهم البرلماني لعبة مسك العصا من المنتصف بين الحكومة والبرلمان وحصلوا على مزايا مثل التعيينات في الإدارة إضافة الى عدم اختيارهم الصحيح للمرشحين، والاهم انهم تصدروا الدعوات لتحريك الشارع الكويتي بعد 7 تشرين الأوّل – أكتوبر 2023 واحداث غزة حيث من المعروف ان الكويتيين يتعاطفون مع القضية الفلسطينية لكنهم يرفضون جر البلاد الى جبهات الصمود والتصدي والممانعة والى تحركات تؤدي الى «ربيع عربي» جديد.

إلى ذلك، عزز مرزوق الغانم موقفه بنجاح عدد من المرشحين السائرين في خطه مثل عبيد الوسمي المطيري  في الدائرة الرابعة واحمد نبيل الفضل الليبرالي المعادي للتطرف في الدائرة الثالثة. أمّا الغالبية السابقة التي كانت موالية للشيخ احمد الفهد، فعاد جزء كبير جدا منها انما لا يرجح ان تجتمع مجددا. وعليه، لن تكون هناك في البرلمان كتلة واحدة من 48 نائبا كما كان عليه الامر في البرلمان السابق بل سيشهد المجلس كتلا مختلفة بعضها يعود لمستقلين مثل مهند الساير وعبدالله المضف ومهلهل المضف، وكتلة مع مرزوق الغانم وكتلة محافظين تضم السلف والإسلاميين المستقلين وبعض أبناء القبائل، وكتلة تدور في فلك الشيخ احمد الفهد الطامح للتقدم في سلم السلطة وهو كان نائبا لرئيس مجلس الوزراء السابق ووزيرا للدفاع.

ما كان يقال عن المجلس الجديد انه اذا لم يكن هناك تغيير كبير في الوجوه فسيكون التغيير في السلوك صحيح الى حد ما، اذ بدأت التيارات المختلفة تبحث منذ الآن عن تموضعها السياسي من خلال تقديم برامج ومشاريع عمل.

اللافت كان أيضا ان بعض المرشحين من أصحاب الأصوات العالية التي لامست الخطوط الحمر مثل عبد الكريم الكندري وشعيب المويزري وأنور الفكر حصلوا على ارقام قياسية في دوائرهم. كما ان الشيعة ارتفع عددهم الى 8 مع وصول 5 مستقلين من بينهم أسامة الزيد وشعيب شعبان وباسل البحراني ومحمد جوهر حياة وجنان بو شهري. فيما فاز التآلف الوطني الإسلامي (خط الامام الخميني) بمقعدين وتحالف الخط الشيرازي بمقعد واحد. اما النواب القبليون فوصلوا الى 25 نائبا أي ما يعادل نصف البرلمان كانت الغالبية فيهم للعوازم  (6 نواب) والمطران  (6 نواب). وتوزع الباقي على القبائل الأخرى بين واحد و3 نواب لكل قبيلة.

يبقى ان الاستحقاق الأول للمجلس الجديد يتمثل في انتخابات رئاسة المجلس، حيث ابدى حتى الان ثلاثة نواب رغبتهم في خوض هذا السابق مع التشديد على انهم يدرسون المعطيات قبل الإعلان الرسمي: احمد السعدون ومرزوق الغانم وفهد فلاح العازمي. وعلم ان رئيس الحكومة الشيخ الدكتور محمد صباح السالم ابلغ جميع النواب المعنيين ان الحكومة ملتزمة عدم التصويت في الرئاسة لاي من المرشحين وستكون على الحياد ما يعني تحييد 16 صوتا.

امام المجلس الجديد استحقاقات مهمة أبرزها التفرغ لبرامج ومشاريع التنمية، والمحافظة على الاستقرار والامن الداخلي والوحدة الوطنية وحماية الهوية الوطنية كما جاء في خطاب الأمير الشيخ مشعل الأحمد الأخير. لكن مؤشرات توتير العلاقة بين السلطتين ما زالت قائمة منها تهديد بعض المرشحين بأنّهم سيستجوبون وزير الداخلية فهد اليوسف إذا فازوا وإذا عاد اليوسف الى منصبه ودغدغة مرشحين آخرين لمشاعر الناس باقتراحات مثل اسقاط القروض وزيادات المعاشات ورواتب الموظفين والمتقاعدين مع ما يترتب على ذلك من إشكالات تتعلق بالخزينة العامة للدولة.

كذلك، إن تشكيل الحكومة الجديدة سيكون محكا للعلاقة بين السلطتين اذ سيبدأ عدد من النواب مدفوعين ربما بأقطاب معينين تحركهم في اشتراط وجود وزير او غياب وزير. معروف انه مع كل مجلس نيابي جديد تستقيل الحكومة ويجري الأمير مشاورات مع رؤساء المجالس النيابية والحكومة السابقين، وما زالت حظوظ الدكتور محمد الصباح هي الأعلى لترؤس الحكومة الكويتية الجديدة.

بين مجلس جديد في الكويت وحكومة جديدة، يتطلع الكويتيون إلى مرحلة جديدة من العمل السياسي تنهي حال التوتر ووضع التنمية في ثلاجة التوترات المستمرة… وربما صار لزاما على الطبقة السياسية ان تجري تطويرا للدستور الكويتي ليناسب المرحلة ويؤسس لنظام تعاوني منتج بين السلطتين يحافظ على الحريات والديموقراطية ويبعد، في الوقت نفسه، مشاريع التنمية عن الارتهان لصراع آن له ان ينتهي.

خيرالله خيرالله