زيارة الرئيس جوزيف عون إلى السعودية وأبعادها

المحامي  أسامة العرب

في سياق إعادة رسم ملامح العلاقات الإقليمية وتعزيز دور الشراكات الاستراتيجية في الشرق الأوسط، جاءت زيارة الرئيس اللبناني جوزيف عون إلى المملكة العربية السعودية لتكون علامة فارقة في تاريخ العلاقات بين البلدين. إذ بدأت الزيارة يوم الإثنين الماضي، لتكون الأولى خارج لبنان منذ انتخابه رئيساً للدولة في يناير (كانون الثاني) الماضي. جاءت هذه الزيارة استجابة لدعوة رسمية من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي يُعدّ رمزاً لرؤية المملكة المستقبلية ورمزاً للدعم العربي المشترك، خاصة في ظل الدور التاريخي للمملكة في دعم لبنان خلال المراحل الحرجة التي مر بها.

جذور العلاقات بين لبنان والسعودية

لطالما شكلت العلاقة بين لبنان والسعودية جسر تواصل حضاري وسياسي واقتصادي، فقد لعبت السعودية دوراً محورياً في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاماً، وساهمت في إعادة الاستقرار إلى لبنان عبر مبادرات سياسية وإنسانية واقتصادية. إن الدعم السعودي الذي تجلّى في المبادرات التي اتخذتها المملكة خلال الأزمات المتعاقبة، سواء من خلال الإمدادات الإنسانية أو عبر الدعم السياسي والاقتصادي، ساهم في تعزيز ثقة اللبنانيين بقيم الوحدة والاعتماد على النفس، مما ساهم في تشكيل صورة إيجابية لعلاقات الأخوّة بين البلدين.

أهداف الزيارة ومفاصل التعاون المرتقب

تأتي هذه الزيارة في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط تحدّيات جيوسياسية واقتصادية متعددة، مما يجعل من الحوار والتنسيق بين الدول ضرورة ملحّة. وقد سلّطت الأضواء خلال اللقاء بين الرئيس عون وولي العهد السعودي على عدة ملفات استراتيجية ومحورية:

  1. تعزيز سيادة الدولة اللبنانية: أكّد الرئيس عون على ضرورة استعادة لبنان لسيادته الكاملة وممارسة صلاحياته دون تدخلات خارجية، وهو هدف يتلاقى مع رؤية المملكة التي تدعو إلى استقرار الدول العربية كخطوة أساسية لتحقيق النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي. يشكّل هذا الملف الأساس الذي يرتكز عليه التعاون الثنائي في ظل الظروف الراهنة التي تشهدها المنطقة.
  2. التعاون الاقتصادي والاستثماري: في ظلّ الأزمة الاقتصادية العميقة التي يعيشها لبنان، تُعدّ السعودية شريكاً رئيسياً محتملًا للمساهمة في إعادة بناء الاقتصاد اللبناني. ومن المتوقع أن يتفق الجانبان على توقيع سلسلة من الاتفاقيات التي من شأنها تعزيز الاستثمارات السعودية في مختلف القطاعات اللبنانية، مثل الطاقة والبنية التحتية والخدمات المصرفية، إضافة إلى المشاريع التنموية الحيوية.
  3. الأمن والاستقرار الإقليمي: تتزامن الزيارة مع سلسلة من التطورات في المنطقة تستدعي تنسيق الجهود بين الدول العربية لضمان أمن واستقرار الشرق الأوسط. وقد تمّ التأكيد خلال اللقاء على ضرورة الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، مع الدعوة إلى انسحاب كامل لقوات الاحتلال الإسرائيلي وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، وهو ملف يحظى باهتمام خاص لدى القيادة اللبنانية والسعودية على حد سواء.
  4. التعاون الإنساني والإغاثي: لم تقتصر المبادرات السعودية على الجانب السياسي فحسب، بل شملت أيضاً الدعم الإنساني المباشر. فقد أطلقت المملكة جسراً جوياً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، شمل 27 طائرة تحمل مساعدات إغاثية غذائية وطبية وإيوائية، ليواكب ذلك برنامج دعم آخر في ديسمبر (كانون الأول) يستهدف تنفيذ مشاريع إغاثية وصحية لمساعدة المتضررين والنازحين اللبنانيين. يعكس هذا التعاون العمق الإنساني للعلاقة بين الشعبين، ويعدّ بمثابة جسر للتضامن الإقليمي في مواجهة التحدّيات المشتركة.

أبعاد الزيارة السياسية والاقتصادية

تنبثق أهمية هذه الزيارة من كونها تمثل منصة لإعادة ترتيب الأولويات السياسية والاقتصادية في لبنان، إذ تسعى القيادة اللبنانية بقيادة الرئيس عون إلى وضع أسس جديدة لإدارة الدولة بعد سنوات من التحدّيات السياسية والاقتصادية العصيبة. وفي هذا السياق، تمثل الزيارة فرصة للتأكيد على التزام لبنان بالإصلاحات الداخلية الضرورية لتعزيز مؤسسات الدولة، وتحسين مناخ الاستثمار، وإعادة الثقة إلى الشركاء الدوليين.

من جهة أخرى، تتماشى الخطوات السعودية في دعم لبنان مع رؤيتها الأوسع لاستقرار المنطقة، حيث يُنظر إلى دعم الدول الضعيفة اقتصادياً وسياسياً كعنصر أساسي لتحقيق الأمن الجماعي، وتعزيز مصداقية المجتمع الدولي في حلّ النزاعات المحلية والإقليمية. كما أن تعزيز العلاقات الثنائية يسهم في بناء آليات عمل مشتركة لمواجهة التحدّيات الأمنية والاقتصادية التي تفرضها التحولات الجيوسياسية الراهنة.

التطلعات المستقبلية وآفاق التعاون

في ضوء ما تمّ طرحه خلال اللقاء، يُمكن القول أن الزيارة تمهّد لبداية عهد جديد في العلاقات اللبنانية – السعودية، يتسم بالتركيز على المصالح المشتركة والتحديات المشتركة في ظلّ بيئة دولية متغيرة. وقد أعرب الرئيس عون عن أمله الكبير في أن تؤدي المحادثات التي جرت مع ولي العهد السعودي إلى سلسلة من الاتفاقيات التي من شأنها تعزيز التعاون في المجالات المختلفة، ليس فقط على المستوى الثنائي، بل بما يخدم مصالح المنطقة بأسرها.

ومن المتوقع أن تُفتح آفاق جديدة للتعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والبنية التحتية، خاصة مع توجه المملكة نحو رؤية مستقبلية طموحة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل الوطني وتنفيذ مشاريع كبرى ضمن إطار التنمية الاقتصادية المستدامة. كما أن دعم لبنان في ظل إصلاحاته الداخلية سيعزز من مكانته على الساحة الإقليمية، مما سيؤدي إلى تقوية دوره كلاعب فاعل في المجتمع العربي.

في الختام، تُعدّ زيارة الرئيس جوزيف عون إلى المملكة العربية السعودية خطوة استراتيجية تنمّ عن رغبة كلا البلدين في تعزيز أواصر الأخوّة والتعاون الشامل. وبينما يتطلع لبنان لاستعادة مكانته الطبيعية في إطار دولي يُعتمد فيه على سيادته وقدرته على تنفيذ الإصلاحات الضرورية، يأتي دعم السعودية بمثابة عامل استقرار وإشادة بالجهود المبذولة في مواجهة التحديات. إن التفاهمات التي تُجرى حالياً، والملفات التي تمت مناقشتها خلال الزيارة، تفتح آفاقاً واسعة لمستقبل مشرق يعزّز من العلاقات الثنائية ويشكّل منصة للتعاون الإقليمي بما يحقق أمن وازدهار الشرق الأوسط بأسره.

بهذه الزيارة يُعاد التأكيد على أن العلاقات بين الدول لا تقتصر على مجرد مبادلات دبلوماسية بل تمتدّ لتشمل دعمًا إنسانيًا واقتصاديًا يساهم في إعادة بناء الثقة وتحقيق الاستقرار الذي يحتاجه كل شعب في مواجهة تقلبات العصر الحديث. ومن هنا، تبقى آفاق التعاون اللبناني – السعودي نموذجاً يُحتذى به في كيفية تحقيق الشراكة الاستراتيجية التي تتخطّى الحدود الجغرافية لتصل إلى دعم الأوطان في كل مجالات الحياة.

المحامي  أسامة العرب