زعماء ثلاثة من العالم تحت الحصار

إيمان شمص

«أساس ميديا»

بعد تصاعد نفوذ أحزاب اليمين المتطرّف والأحزاب القومية والشعبوية في معظم أوروبا وفي الولايات المتحدة الأميركية، الذي تجلّى بتحقيقها مكاسب كبيرة في الانتخابات البرلمانية الأوروبية الأخيرة، خلص الرئيسان الفرنسي والأميركي إيمانويل ماكرون وجو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك إلى أنّ “الطريقة الوحيدة للهروب من المشاكل السياسية الخطيرة التي تواجههم هي تغيير “مسار المؤامرة” بشكل جذري”.

بايدن وماكرون وسوناك باتوا تحت الحصار في رأي مجلّة بوليتيكو:

– في المملكة المتحدة، وجد رئيس الوزراء ريشي سوناك نفسه هذا الربيع في موقف دفاعي بسبب نفاد الصبر والسياسات الجامحة التي تنتهجها بلاده. وفي مواجهة مستقبل سياسي صعب على نحو متزايد، قرّر الدعوة إلى إجراء انتخابات برلمانية في 4 تموز.

– في الولايات المتحدة، يواجه الرئيس جو بايدن سياساته غير الملائمة، وكانت لديه حاجة ملحّة مماثلة إلى تغيير مسار التنافس مع الرئيس السابق دونالد ترامب. والاستحقاق الملحّ سيكون في المناظرة الانتخابية الأولى المقرّر إجراؤها في 27 حزيران.

– في فرنسا، تعرّض الرئيس إيمانويل ماكرون لموقف مذلّ بعد انتخابات البرلمان الأوروبي بسبب الأداء القويّ لحزب التجمّع الوطني اليميني بزعامة مارين لوبان. في خطوة مفاجئة صدمت باريس وتردّد صداها في أنحاء القارّة، قرّر دعوة الناخبين إلى صناديق الاقتراع على مدى يومين في 30 حزيران و7 تموز لإجراء انتخابات مبكرة للبرلمان الفرنسي.

أوضاع سياسيّة متشابهة… وظروف فرديّة مختلفة

الحالات الثلاث تتشابه، بحسب “بوليتيكو”، والمنطق أيضاً هو نفسه. فبعدما خلص كلّ زعيم إلى أنّ العمل بمفرده والأمل أن يحصل الأفضل لم يعد يعمل، تبنّى الثلاثة الموقف نفسه: استمرار العمل والمضيّ قدماً. لقد امتزجت حسابات الثلاثة في تجربة مذهلة: ففي غضون أسابيع قليلة، ستَختبر سلسلةٌ من الأحداث السريعة حيويّة السياسيين المؤسّسين التقليديين في وقت يبدو من الواضح أنّ مجموعات كبيرة من الناخبين تتّجه نحو التصويت في حالة مزاجية تدعو إلى الاضطراب.

في رأي المجلّة، كان ماكرون أكثر وضوحاً بشأن تصميمه على أخذ زمام المبادرة، حين قال وهو يدعو إلى إجراء انتخابات جديدة إنّ السيطرة على اللحظة هي مسألة ذات طابع وطني بالنسبة لبلاده. وأضاف: “أن تكون فرنسياً يعني في جوهره اختيار كتابة التاريخ، وليس الانقياد له”. وسوناك وبايدن يأملان أن ينطبق الأمر نفسه على الهويّتين البريطانية والأميركية على الرغم من اختلاف الظروف الفردية لكلّ من القادة الثلاثة، فعقود من العمر تفصل بايدن عن ماكرون وسوناك. كانت لكلّ من الرجلين الأصغر سنّاً مسيرة مهنيّة ناجحة في مجال الأعمال، وعندما وصلا إلى المنصب كان يُنظر إليهما على أنّهما شخصيّتان جديدتان تمثّلان التغيير بين الأجيال، قبل أن يفقدا شعبيّتهما بسرعة. ويمثّل ماكرون وبايدن أحزاب الوسط ويسار الوسط المتعثّرة. وينتمي سوناك إلى حزب المحافظين الذي ينتمي إلى يمين الوسط، الذي تولّى السلطة لمدّة 14 عاماً، ومن الواضح أنّه استنفد شعبيّته.

لكنّ هذه الاختلافات، لا تلغي أوجه التشابه الأساسية، إذ أدرك الثلاثة أنّ فرصتهم الوحيدة للهروب من المشاكل السياسية الخطيرة والمميتة تتلخّص في حدوث تغيير جذري في “المؤامرة” مع بداية الصيف: فالثلاثة يتصارعون مع ناخبين ساخطين بالقدر نفسه، إذ يشعر الناخبون على ضفّتي الأطلسي بالغضب إزاء التضخّم المستمرّ، والهجرة غير المنضبطة، وتكاليف الإسكان، وعوامل أخرى كثيرة. والثلاثة على قناعة أيضاً بأنّ المعارضين لهم غير مسؤولين في الأساس، بل وخطيرون، وأنّه كلّما زاد تركيز الناخبين على شخصية وسياسة هؤلاء المعارضين، زاد إغراء الحفاظ على المسار.

بايدن يراهن على المناظرة مع ترامب

هذه القناعة، أضافت “بوليتيكو”، هي في صميم جهود إعادة انتخاب بايدن برمّتها، ومفادها أنّ الناخبين الوسطيين الذين يهتمّون بترامب يميلون إلى الابتعاد عنه. فتصريح ناخب معتدل وغاضب لأحد منظّمي استطلاعات الرأي أنّه يعتزم التصويت لترامب شيء، ورؤية ترامب يتلعثم ويصرخ على منصّة المناظرة وتحويل الموقف لمصلحته شيء آخر.

وفقاً لـ”بوليتيكو”، يأمل الديمقراطيون أن تكون المناظرة مختلفة. ويعتقد مسؤولو حملة بايدن أنّ الصدام وجهاً لوجه مع ترامب يمكن أن يمنح الناخبين الدفعة المتواضعة اللازمة لإعادة الأمور لمصلحة بايدن. وقال أحد مستشاري بايدن: “كنّا بحاجة إلى جرّه إلى غرفة معيشة الأميركيين مرّة أخرى”. وقال مسؤول آخر في حملة بايدن: “السباق متقارب، ولا تحتاج الأمور إلى تغيير الكثير”، معتبراً أنّ المناظرة “ستكون من أفضل الأوقات للقيام بذلك”.

لكنّ الخطر، يكمن في أنّ العكس تماماً قد يحدث، وأنّ معظم الناخبين سيكونون إمّا متحمّسين لترامب أو متجاهلين لعيوبه، وأنّ المناظرة ستبلور بدلاً من ذلك مخاوفهم بشأن عمر بايدن وأيديولوجيّته وخططه غير الواضحة للمستقبل. وهذا ما حدث بالفعل في المملكة المتحدة، حيث انهار حزب سوناك بشكل أكبر منذ أن أعلن إجراء الانتخابات. وبدلاً من استعادة الزخم لحزب المحافظين ووضع زعيم حزب العمال كير ستارمر في موقف دفاعي، كشفت الأسابيع الأولى من الحملة عن غرائز سوناك السياسية المتعثّرة وخلّفت انقسامات جديدة داخل اليمين البريطاني. ولم تهيمن أيّ قضية على الحملة الانتخابية حتى الآن أكثر من قرار سوناك الأسبوع الماضي مغادرة حفل إحياء ذكرى إنزال النورماندي مبكراً والعودة إلى بريطانيا لإجراء مقابلة تلفزيونية حول الحملة.

رأت “بوليتيكو” أنّ سوناك هو اليوم تحت حصار كلّ من حزب العمال والقوة اليمينية الصاعدة في بلاده، بقيادة مدير عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي نايجل فاراج. ويخشى المحافظون المذعورون، الذين يعانون من نزيف في الأصوات من اليسار واليمين، من الدمار الكامل. فهم “قتلوا أنفسهم. وانتهى الأمر”، كما قال فاراج لـ”بوليتيكو” في وقت سابق من هذا الشهر.

لفتت “بوليتيكو” إلى أنّ “ماكرون قد يواجه المصير نفسه، إذا اتّضح أنّ الغضب الذي عبّر عنه الناخبون في انتخابات الاتحاد الأوروبي سيتزايد في الأسابيع المقبلة”، لكنّها اعتبرت أنّ “ماكرون مرتاح للمراهنة على مخاطر عالية. فهو قبل دخوله السياسة، عمل مصرفياً استثمارياً وطوّر اتفاقيات اندماج ضخمة يمكن أن تنهار في أيّ لحظة. في عام 2016، أشعل نار المنافسة في ظلّ المؤسّسة السياسية بأكملها في بلاده من خلال إنشاء حزب وسطيّ خاصّ به قاده إلى فوز مذهل في الانتخابات في عام 2017. وهو انتصار قضى فعليّاً على الأحزاب التقليدية في البلاد بما هي قوى سياسية قابلة للحياة. واليوم يعتقد أنّه قادر على تنفيذ الحيلة نفسها مرّة أخرى”.

منطق أنصار ماكرون، هو كما يلي: لقد شعر الملايين من الناخبين بالارتياح للتصويت للشابّ اليميني المتطرّف البالغ من العمر 28 عاماً، جوردان بارديلا، لأنّ الانتخابات الأوروبية، في نظرهم، لا تهمّ كثيراً، حيث يتعلّق الأمر بإرسال مشرّعين إلى برلمان في بروكسل آليّة عمله غير مفهومة بشكل جيّد، ولا يتعلّق بإدارة الشؤون اليومية في البلاد مثل المدارس أو الصحّة أو الشرطة.

لكنّ المجلّة حذّرت من أنّ “التصويت لجعل بارديلا في منصب رئيس الوزراء الفرنسي، المسؤول عن الشؤون اليومية للبلاد، أمر مختلف تماماً. وإذا كان ماكرون يعتقد أنّ غالبية الفرنسيين لن تختار التغيير المقترح عليهم، فسيكتشف ذلك قريباً جداً. وكذلك زملاؤه في لندن وواشنطن”.

إيمان شمص

التعليقات (0)
إضافة تعليق