بقلم د. ابراهيم العرب
في ضوء التحقيقات الجارية حول حاكم مَصْرِف لبنان السابق، رياض سلامة، تبرز أهمية التذكير بمبدأ أساسي في القانون: «افتراض البراءة» الذي ينص على أن كل متهم بجريمة يُفترض أن يكون بريئًا حتى تُثبت إدانته بحكم قضائي نهائي ومبرم. حيث يعتبر هذا المبدأ حجر الزاوية في أنظمة العدالة الجنائية المتحضرة، ويهدف إلى ضمان خضوع الأفراد لمحاكمات عادلة وحماية حقوقهم، وضمان عدم معاقبة أي شخص دون وجود دليل قاطع يثبت ارتكابه للجريمة.
ولكل من علا صوته على المنابر بقدح وذم رياض سلامة، فإننا نحب أن نذكِّره بأنه أثناء ولايته كحاكم لمصرف لبنان، لعب رياض سلامة دورًا محوريًا في الحفاظ على استقرار العملة اللبنانية وتعزيز النظام المصرفي في البلاد، وعشنا في أيامه بعز ورخاء، فَتَحْتَ قيادته النقدية، تم تنفيذ العديد من السياسات المالية التي ساهمت في استقرار الاقتصاد اللبناني، رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها البلاد، خصوصًا في ظل الأزمة المالية العالمية وتداعياتها. من هنا، يجب الاعتراف بجهوده الكبيرة وإنجازاته المهنية التي ساهمت في دعم الاقتصاد الوطني، ومنع لبنان من الوقوع في براثن الإفلاسات العالمية عام ٢٠٠٨.
من جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى أن رياض سلامة قد أبدى تعاونه الكامل مع السلطات القضائية، وحضر جميع جلسات التحقيق، مؤكدًا استعداده لتقديم جميع الوثائق والأدلة المطلوبة لإثبات براءته. وعلى هذا، فإن تعاونه يعكس التزامه بالشفافية ورغبته في تحقيق العدالة. وفي هذا السياق أيضًا، أبدى الحاكم السابق من شدة ثقته بنفسه رغبته بنقل وجهة نظره المالية والقانونية في التحقيقات ورغبته في الخضوع لحكم القضاء مهما كانت نتيجته، بروح من الحيادية والشفافية لم نرَ لها نظيرًا.
كما أن تحقيق العدالة يتطلّب أن تبقى التحقيقات عادلة وغير متحيزة وتضمن حقوقه بالدفاع عن نفسه. كما يجب أن تظلّ التحقيقات أيضاً جارية بعيدًا عن أية تأثيرات سياسية أو ضغوط خارجية، لضمان أن تبقى المحاكمة شفّافة وأمام قضاء مستقل؛ وبالتالي، فإن ذلك يضمن أن يُظهر براءة رياض سلامة وحده مستقبلًا.
كما أنه من الجدير أن نذكُر أن رياض سلامة مُحتجز احترازيًا لاستكمال التحقيقات لبضعة أيام فقط، وليس موقوفًا احتياطيًا، ولا توجد مذكرة توقيف بحقه؛ وحتى الآن لم نسمع بأنه صدر بحقه ادعاء من النيابة العامة عليه بملف أوبتيموم؛ وهذا الإجراء المتأني يهدف إلى ضمان سلامة سير التحقيقات ومنع أي تلاعب بالأدلة أو التأثير على الشهود.
كما من المهم في هذه الأثناء، النظر في التوقيت الذي أُثيرت فيه هذه الاتهامات وما إذا كان يتزامن مع أحداث سياسية أو اقتصادية معينة قد تؤثر على الحيادية والنزاهة. فمن المعروف أن القضاء اللبناني مستقل وغير متأثر بأي دوافع سياسية، ويجب أن يبقى كذلك لضمان تحقيق العدالة؛ وبالتالي، يجب إبعاد كل الأحزاب السياسية عن التدخل بعمل القضاء، وكل محاولات سَيْق الاتهامات الكيدية ضد رياض سلامة.
وفي كل حال، هنالك شهادات من شخصيات محلية ودولية عملت معه وتشهد بنزاهته وكفاءته المهنية. وهذه الشهادات يمكن أن تقدم إلى القضاء اللبناني لتكوين صورة أكثر شمولية عن شخصيته وأخلاقيات الحاكم السابق المهنية، وتساهم في تحقيق العدالة من خلال تأمين حقوق الدفاع والمحاكمة العادلة.
كما نحبّ الإشارة إلى أن القضاء الألماني سبق أن برّأ رياض سلامة منذ بضعة أشهر من خلال إلغاء نشرة الإنتربول الصادرة بحقه؛ وهذا الإجراء القضائي بالذات، يؤكّد على ضرورة عدم التعرض لسمعة الحاكم والإساءة إليه ظلمًا وجورًا، في ظل انعدام حكم مبرم يدينه، مشددين على مسألة نزاهة وشفافية القضاء الألماني وعدالته، ومشيرين إلى أن النظام القضائي الألماني يُعتبر من بين الأنظمة القضائية الأكثر تطورًا واستقلالية في العالم، مما يعزز الثقة في براءة سلامة وفي وجوب تحقيق العدالة الكاملة.
وفي الختام، يجب التأكيد على أهمية احترام القانون ومبدأ افتراض البراءة حتى تُثبت إدانة المتهم بحكم قضائي مبرم. كما يجب في أثناء التحقيقات الحفاظ على كرامة رياض سلامة، كحاكم سابق لمصرف لبنان، قدّم خلال ثلاثين سنة الكثير الكثير، وحفظ النظام المالي اللبناني وساهم في استقرار الاقتصاد الوطني والليرة اللبنانية التي تحمل توقيعه في لبنان والخارج. ناهيك عن أن الحاكم لم يتوان يومًا عن التعاون مع السلطات القضائية اللبنانية والأجنبية، ولم يتوقف عن المثول أمام السلطات والعدالة، حتى دون محام في بعض الأحيان، وبدون مذكرات إحضار، كما أنه أبدى دومًا استعداده لتقديم الأدلّة المطلوبة منه، مما يعكس التزامه بالشفافية ورغبته في تحقيق العدالة والالتزام بتنفيذ أحكام القضاء.
وأخيرًا، ندعو الجميع إلى احترام القانون ومبدأ افتراض البراءة، والحفاظ على فصل السياسة عن القضاء لضمان تحقيق العدالة، ونرجو منهم عدم التعرض لسمعة الحاكم وشرفه وقدحه والذم به على وسائل التواصل الاجتماعي؛ كما نأمل أن تبقى التحقيقات جارية بروح من الحيادية والشفافية، مع التأكيد على أن كل شخص بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي نهائي، لاسيما أن حماية حقوق الأفراد وضمان تحقيق العدالة هي مبادئ أساسية يجب أن تُحترم في كل الأوقات، هكذا درسنا في كتب القانون وهكذا علّمنا طلابنا في الجامعات لاحقاً، وكله لضمان نزاهة النظام القضائي اللبناني وثقة الجمهور به.
د. ابراهيم العرب