بقلم د. وليد صافي
«اساس ميديا»
تشهد المنطقة المشغولة بمشاريع تهجير فلسطينيّي غزة وتطويق مخيّمات الضفّة الغربية وتدميرها، انكشاف إحدى حلقات المشروع الإسرائيلي في الجنوب السوري من بوّابة دروز جبل العرب. الغالبيّة العظمى من طائفة الموحّدين الدروز في سوريا ولبنان المتمسّكين بوحدة بلدَيهم تجتاز مرحلة من المخاوف والتحدّيات غير المسبوقة في تاريخها. نعم المخاوف، التي عبّر عنها رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط، تختصر المشهد والآتي أعظم.
الأسئلة المشروعة عند طائفة الموحّدين الدروز متعدّدة، ومنها: لماذا الدروز؟ وماذا تريد إسرائيل؟ وكيف نواجه؟ وهل هذه معركة الدروز وحدهم؟ وهل هناك إدراك ووعي عربيّان لمخاطر ما يجري في الجنوب السوري؟ وهل تُترك طائفة الموحّدين الدروز بمفردها في مواجهة المشروع الذي يستهدف سلخها عن عقيدتها ومبادئها وتاريخها ومحيطها؟ وهل من إدراك أنّ العبث الإسرائيلي بالبوّابة الدرزيّة في جبل العرب، هو عبث بوحدة سوريا ومفتاح لتقسيمها؟
يتساءل الدروز: هل هي لعنة الجغرافية أم لعنة المؤامرات؟ الأسئلة لم تتوقّف عندهم، وهناك إجماع بينهم على أنّ المسألة ليست الدروز فقط، بل سوريا والمنطقة، فهل مَن يسمع لهم؟
المشروع أبعد من حماية وحكم ذاتيّ للدّروز
إقامة دولة درزية في سوريا ولبنان حلم إسرائيلي قديم. الجديد في طرح هذا المشروع في سوريا اليوم أنّه يأتي في إطار التخطيط “لإسرائيل الكبرى” أو ما يطلق عليه الإسرائيليون “الشرق الأوسط الجديد”. وتشكّل “الجغرافية الدرزيّة” في الجنوب الشرقي من سوريا وصولاً إلى جرمانا في ريف دمشق مفتاحاً أساسيّاً لهذا المشروع. وتشكّل “الجغرافية الكردية” في الشمال الشرقي لسوريا المفتاح الآخر.
بعد سقوط نظام آل الأسد في 8 كانون الأوّل الماضي، لم تخلُ الصحافة الإسرائيلية من مقال أو أكثر يوميّاً يناقَش فيه مستقبل سوريا. وقد تراوحت الأفكار والمشاريع المطروحة بين النخب السياسية والعسكرية في إسرائيل بين إقامة نظام فدراليّ وحكم ذاتي في المناطق الدرزية والكردية، وبين تقسيم سوريا كما يخطّط نتنياهو واليمين المتطرّف في حكومته.
ركّز عدد من المقالات على أنّ “مصلحة إسرائيل هي في تقسيم سوريا إلى أربع دويلات: دولة درزية بحماية إسرائيلية، ودولة علويّة في الساحل السوري بحماية روسيّة، ودولة كردية في الشمال الشرقي بحماية إسرائيلية أميركية، ودولة سنّية في الشمال والوسط بحماية تركيّة”.
ليست بعيدةً تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، التي تطالب الروس بعدم إخلاء قواعدهم في الجنوب السوري، عمّا يروّجون له من أنّ روسيا هي القوّة الوحيدة المؤهّلة لحماية الدولة العلويّة. يقع في إطار التحضير لتفتيت سوريا الخطُّ البيانيُّ كلُّه لأفعال بنيامين نتنياهو وتصريحاته منذ أن دمّر الأصول الاستراتيجيّة للجيش السوري، وأمر القوّات الإسرائيلية باحتلال المنطقة العازلة ومرتفعات جبل الشيخ تحت ذرائع مختلفة.
إذ صرّح أمام هيئة القضاة التي كانت تستجوبه في تهم الفساد الماليّ أنّه “منذ مئة عام تتغيّر للمرّة الأولى حدود سايكس بيكو”. يندرج في هذا السياق التصريح الذي أطلقه منذ أيّام في حفل تخريج الضبّاط، والذي طالب فيه بانسحاب قوّات السلطة الجديدة في دمشق من الجنوب السوري وادّعى حماية دروز جرمانا الذين لم يطلبوا الحماية بشهادات إسرائيلية، ويترافق مع التوغّلات البرّية وتوسيع الاختراقات في النسيج الاجتماعي لسكّان الجنوب السوري.
الدّعوة لحماية الدّروز ذريعة لصراع أكبر
لتأكيد استخدام ذريعة الحماية من أجل صراع أكبر تستعدّ له إسرائيل على أرض سوريا، كتب دروني شكيد في “يديعوت أحرونوت”: “مع تراجُع التأثير الإيراني، تجد إسرائيل نفسها في مواجهة واقع جديد يمكن أن يكون أكثر خطراً، وهو أن تتحوّل سوريا إلى ساحة نفوذ تركيّ، مع نظام إسلامي متطرّف يمكن أن يكون معادياً لها، مثل النظام الإيراني”. أضاف: “الصراع على النفوذ في سوريا لم ينتهِ بعد. لكن مع ازدياد طموحات رجب طيب إردوغان واستمرار دعمه للفصائل الإسلامية في سوريا، يبدو أنّ المنطقة تتّجه نحو تصعيد جديد يمكن أن يتوسّع، وأن يصل إلى قلب النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني”.
يُستنتج من هذا الكلام أنّ المشروع هو أكبر من حكم ذاتي للدروز أو دويلة أو حماية من هنا وهناك، بل تحضيرٌ للصراع الآتي على سوريا من خلال الجغرافية الدرزية والجغرافية الكردية. لكنّ الفارق الأساسي بين هاتين الجغرافيتين هو أنّ المشروع الذي ينخرط فيه أكراد قوّات سوريا الديمقرطية “قسد” والعلاقات الوثيقة بينها وبين الإسرائيليين يشكّلان نقيضاً لتاريخ جبل العرب المجبول بالتضحيات من أجل وحدة سوريا وعروبتها.الفرق أيضاً أنّ “قسد” تمسك بالسلّة الغذائية لسوريا، وتقع أهمّ آبار النفط والغاز تحت سيطرة القوّات الأميركية التي تدعمها، بينما يرزح جبل العرب تحت الإهمال التاريخي الذي مارسه حكم آل الأسد. إذ تفتقر بلدات الجبل وقراه إلى الحدّ الأدنى من البنى التحتية، وتسجّل معدّلات الفقر والبطالة فيه أعلى نسبة بين المناطق السوريّة.
الدّروز جزء من نسيج أوطانهم
ثمّة موقف سياسي يحظى بإجماع أبناء طائفة الموحّدين الدروز من المشايخ والزمنيّين منذ قيام الدولة الوطنية في سوريا والأردن ولبنان، وهو أنّ الدروز في أوطانهم هم جزء لا يتجزّأ من النسيج الوطني، ولا يملكون أيّ مشاريع خاصّة خارج دولهم بغضّ النظر عن النظام السياسي القائم وطبيعته.
ثمّة إجماع أيضاً على أنّ دروز فلسطين، الذين قرّروا البقاء في أرضهم على الرغم من الأخطار الكبيرة، لهم وضعهم الخاصّ، وهم أدرى بكيفية الحفاظ على هويّتهم وتراثهم. يشهد تراث طائفة الموحّدين الدروز أيضاً الفصل بين الحقلين الزمني والديني. إذ ينحصر الدور السياسي بالحقل الزمني ويقوم الحقل الديني بدوره المعروفيّ. وهذا ما سارت عليه الطائفة ولم يسبق أن جرى تداخل بين هذين الحقلين.
يتبع غداً
د. وليد صافي