يوم السبت الماضي قُطع الشك باليقين وحُسم الامر: الامينُ العام لحزب الله السيد حسن نصرالله «انتقل الى جوار ربه ورضوانه شهيدًا عظيمًا قائدًا بطلًا مقدامًا شجاعًا حكيمًا مستبصرًا مؤمنًا»، ملتحقًا بـ«رفاقه الشهداء العظام الخالدين الذين قاد مسيرتهم نحوًا من ثلاثين عامًا، قادهم فيها من نصر إلى نصر مستخلفًا سيد شهداء المقاومة الإسلامية عام 1992 حتى تحرير لبنان 2000 وإلى النصر الإلهي المؤزر 2006 وسائر معارك الشرف والفداء، وصولًا إلى معركة الإسناد والبطولة دعمًا لفلسطين وغزة والشعب الفلسطيني المظلوم».
هكذا نعاه حزب الله، في حدثٍ مزلزل سيُشكّل نقطة فاصلة بين حقبة واخرى لبنانيا واقليميا. فالاكيد ان لبنان والمنطقة بعد 27 ايلول 2024، لن يُشبها لبنان والمنطقة قبل هذا التاريخ المفصلي الذي وجّهت فيه اسرائيل اقوى ضرباتها على الاطلاق، لمحور المقاومة منذ 7 تشرين الماضي ومنذ عقود… فكيف ستكون الصورة في الحزب وفي الداخل وفي الجوار بعد طي صفحة نصرالله؟ هل الاغتيال بداية لموجة تصعيد لن تنتهي او بداية لتسوية؟ وكيف ستتعامل ايران، راعية محور الممانعة، مع هذا التطور الكبير؟ هل ستردّ ام ستكتفي بالتهويل كما فعلت عقب اغتيال اسماعيل هنية على اراضيها، فاتحة بذلك، الباب امام حل شامل تكون هي شريكة فيه؟
بيان النعي
قيادة حزب الله وفي بيان نعي نصرالله الذي صدر بعد الظهر، عاهدت «الشهيد الأسمى والأقدس والأغلى في مسيرتنا المليئة بالتضحيات والشهداء أن تواصل جهادها في مواجهة العدو وإسنادًا لغزة وفلسطين ودفاعًا عن لبنان وشعبه الصامد والشريف»، وتوجهت «وإلى المجاهدين الشرفاء وأبطال المقاومة الإسلامية المظفرين والمنصورين وأنتم أمانة السيد الشهيد المفدى، وأنتم إخوانه الذين كنتم درعه الحصينة ودرة تاج البطولة والفداء، إنّ قائدنا سماحة السيد ما زال بيننا بفكره وروحه وخطه ونهجه المقدس، وأنتم على عهد الوفاء والالتزام بالمقاومة والتضحية حتى الانتصار»… اما الخارجية الإيرانية فقالت في نعي نصر الله: المسار المجيد لقائد المقاومة سيستمر وسيتحقق هدفه بتحرير القدس. في حين اعتبرت «حماس» ان «اغتيال نصر الله لن يؤدي إلا إلى تقوية المقاومة».
أصغر بكثير
اول تعليق للمرشد الايراني علي خامنئي على المستجدات، وقبل اعلان استشهاد نصرالله رسميا، فكان «تهديديا وشعريا» اذ أشار إلى أن «عصابة الإرهاب الحاكمة على الكيان الصهيوني لم تتعلم من حربهم الإجرامية التي استمرت لمدة عام في غزة، ولم يدركوا أن القتل الجماعي للنساء والأطفال والمدنيين لا يمكن أن يؤثر على البنية القوية للمقاومة أو يطيح بها»، موضحاً أنهم الآن يختبرون نفس السياسة الحمقاء في لبنان. وأكد أنه «يجب أن يعلم المجرمون الصهاينة أنهم أصغر بكثير من أن يلحقوا أذىً مهمًا بالبنية القوية لحزب الله اللبناني»، مشدداً على أن «جميع قوى المقاومة في المنطقة تقف إلى جانب حزب الله وتدعمه». وشدد على أن «مصير هذه المنطقة ستحدده قوى المقاومة، وعلى رأسها حزب الله المنتصر»… ودقائق عقب هذه المواقف، نقلت يديعوت أحرونوت عن مصدر إسرائيلي قوله «إذا صعدت إيران وحزب الله فلدينا مزيد من الأهداف لنهاجمها في لبنان».
مساع دولية
وفي وقت قطع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي زيارته الى نيويورك اول امس وعاد الى بيروت، وعقد مجلس الوزراء جلسة استثنائية مساء السبت شارك فيها وزراء التيار الوطني الحر واعلن وزير الاعلام في حكومة تصريف الاعمال زياد المكاري اثرها ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يريد وقف اطلاق النار ولكن نظيره الاسرائيلي بنيامين نتنياهو اتخذ قرار اغتيال الامين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله من مقر الامم المتحدة وهذا يبين من لا يريد وقف اطلاق النار.
وافاد بأنّ جلسة لخلية الطوارئ ستعقد يوم الاحد وجلسة وزارية مطلع الأسبوع المقبل.
مساعي خارجية
يبدو ان الخارج، القَلِق من تدهور الاوضاع، سيحاول التدخّل لمنع السيناريو الكارثي. في السياق، قال مصدر دبلوماسي عربي للـ LBCI ان قطر ومصر ستقدمان مبادرة للمسؤولين اللبنانيين لمنع تدهور الوضع ووقف الحرب. اضاف: المبادرة منسقة مع دول عدة على رأسها الولايات المتحدة وفرنسا ودول عربية وتتضمن اجراء تواصل مع ايران لضمان الذهاب لحل شامل. واشار الى ان رئيس الحكومة القطرية سيتحدث مع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري حول خارطة طريق سياسية وميدانية قد تساهم في وقف التوتر وتسحب فتيل نشوب حرب شاملة.. وفيما اعتبر رئيس الوزراء الفرنسي ان الوضع في لبنان «في غاية الخطورة»، علمت «المركزية» ان وزير خارجية فرنسا يصل مساء الاحد ويجتمع مع الرئيس ميقاتي صباح الاثنين ناقلا المقترحات الجاري العمل عليها دوليا لوقف اطلاق النار.
مرحلة جديدة
بالعودة الى الارض، ومنذ لحظة تفجير تل ابيب مركز قيادة حزب الله في حارة حريك، دخل لبنان مرحلة جديدة وخطيرة «حربيا»، انهارت فيها كل قواعد الاشتباك والخطوط الحمراء، فلفّت الغارات والدخان والنار والدماء، اراضيه من الضاحية الجنوبية الى الجنوب وصولا الى البقاع وشتورا وزحلة ومرورا ببحمدون وبعذران في الشوف. وخرجت «اللعبة» التي بدأت في 8 تشرين الماضي وحملت اسم «المساندة»، عن السيطرة، وتحوّلت حربا شاملة ومخيفة.