حديث رمضان_هي ليلة خير من ألف شهر

المهندس بسام برغوت

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بعد أيام قليلة من دخول العشر الأواخر تحل علينا ليلة هي خير من ألف شهر، أكرم الله الأمة الاسلامية بخيراتها وفضائلها، يقول الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)) [سورة القدر]

ومعناها: إنا ابتدأنا إنزال القرآن الكريم في ليلة القدر أي ليلة الشرف والفضل، وهي إحدى ليالي شهر رمضان المبارك (على الأرجح أنها ليلة السابع والعشرين، أي مساء الثلاثاء وحتى فجر الأربعاء)، وما أدراك -أيها النبي- ما ليلة القدر والشرف؟ ليلة القدر ليلة مباركة، العمل الصالح فيها خير من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة قدر، يكثر نزول الملائكة وجبريل عليهم السلام في هذه الليلة بالبركة والرحمة، بإذن ربهم من كل أمر قضاه في تلك السنة، هي أمن وأمان كلها، لا شرَّ فيها إلى مطلع الفجر.

روي أن رجلاً جاهد في سبيل الله ألف شهر، فعجب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون من ذلك، وتمنى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأُمته فقال يا رب: “جعلتَ أُمتي أقصرَ الأمم أعماراً، وأقلَّها أعمالاً”! فأعطاه الله ليلة القدر، وقال: ليلةُ القدر خيرٌ لك ولأمتك من ألف شهر، جاهد فيها ذلك الرجل.

أحبابي القراء:

لماذا سميت بليلة القدر؟

لليلة القدر ثلاثة معانٍ نوجزها بما يأتي:

المعنى الأول:

القدر بمعنى العظمة والتقدير، يقال: انسان مقدَّر أي له شأن وعظمة، وسميت ليلة القدر بذلك لأنها ليلة ذات عظمة وقدر، فهي ليلة معظمة عند الله عزوجل، ومن عظمتها نزول القرآن الكريم فيها، أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر عند الله عزوجل.

المعنى الثاني:

القدر من التضييق، ومنه قوله تعالى،: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) [سورة الفجر 15 – 16] ومعنى فقدر عليه رزقه أي ضيّق عليه رزقه.

أما ليلة القدر فمن معانيها أنها ليلة تضيق الأرض بالملائكة لكثرتهم فيها، قال الله تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) [سورة القدر 4]

أي: من مزايا وفضائل هذه الليلة أيضا، أن الملائكة – وعلى رأسهم الروح الأمين جبريل عليه السلام- ينزلون فيها أفواجاً إلى الأرض، بأمره – تعالى – وإذنه، وهم جميعاً إنما ينزلون من أجل نشر البركات على عباده القائمين.

المعنى الثالث:

القَدر (بفتح الدال) من التقدير، وهو تقدير أحكام السنة كلها، بمعنى إظهار ما قدره الله في اللوح المحفوظ إلى ملائكته.. ويوضح ذلك قول الله تعالى عنها: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [سورة الدخان 3 – 4]

والمعنى أنه في هذه الليلة المباركة يُفصل ويُبيَّن ويُكتَب، كل أمر ذي حكمة، بأمر الله تعالى، فيُظهر الله عز وجل في هذه الليلة للملائكة ما قدّره على عباده، فيكشف لهم من سيكون الأموات، ومن سيكون الأحياء، ومن سيكون من السعداء، ومن سيكون من الأشقياء. …الخ

أحبابي القراء:

من مميزات ليلة القدر أنها ليلة النور، فقد نزل الروح جبريل بالنور المبين وهو القرآن الكريم، على قلب النور وهو النبي صلى الله عليه وسلم، في جبل النور وهو جبل حراء، في بلد النور وهو مكة المكرمة، وفيها عطاءات النور للأمة الإسلامية بقيامها وأذكارها وصلواتها ودعائها ليحصلوا المغفرة والرضوان.

قال النبي صلى الله عليه وسلم:” مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”

ويكون قيامها بذكر الله والتسبيح والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء، لا سيما بالعفو والعافية، وقد سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقالت: يا رسول الله، أرأيتَ إنْ عَلِمْتُ أيُّ ليلةٍ ليلةُ القَدرِ، ما أقولُ فيها؟ قال: قُولي:” اللَّهُمَّ، إنِكَّ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فاعْفُ عَنِّي”.

ومن علامات القبول في هذه الليلة المباركة كثرة الدموع والخشوع، أو قشعريرة الجلد، أو طمأنينة القلب.

وفي الختام:

نسأل الله عز وجل أن يبلّغنا هذه الليلة، ويمنحنا من الرضا والعطاء، ويكرمنا ببركات ملائكته ومصافحة جبريل عليه السلام، وان يكتبنا من السعداء الناجين، ونسأل تعالى أن يغفر لنا فيها ذنوبنا، ويستر عيوبنا، ويشفي مرضانا، ويرحم موتانا، ويُصلح أحياءنا، ويولي علينا خيارنا ولا يولي علينا شرارنا.. اللهم إنك عفوّ كريم تحبّ العفو فاعف عنا، واحفظنا وبلادنا من كل سوء ومكروه يا رب العالمين.

المهندس بسام برغوت