بقلم الدكتور عمّار حوري
نائب سابق ورئيس مجلس أمناء وقف البر والإحسان ورئيس مجلس أمناء جامعة بيروت العربية
يطلُّ علينا شهرُ رمضانَ المبارك شهرُ العبادةِ والصومِ والخيرِ الوفير، شهرُ الأملِ بالله وبمغفِرتِه، شهرُ التكافلِ الاجتماعي، لما يحملُهُ هذا الشهرُ من وفيرِ المعاني الروحيةِ والإيمانيةِ التي تعزز اليقين وتكرّسُ أواصرَ المحبة.
لا تقتصرُ معاني شهرِ الصيامِ على أنَّ الصومَ هو أحدُ أركانِ الإسلامِ الخمسةِ وأنّهُ الشهرُ التاسعُ في التقويم الهجري الذي يمتنعُ المسلمون البالغون والعاقلون فيه عن تناول الطعام والشراب منذ بزوغ الفجر حتى غروب الشمس إنفاذا لقوله تعالى في سورة البقرة في القرآن الكريم “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”، بلْ إِنَّ هذا الشهر يحمِلُ معهُ أيضا كنزًا ثمينًا منْ الخيرِ والبركةِ على مستوى الأمةِ وعلى مستوى الفرد، فهو يشكّلُ فرصةً ذهبيةً للتوبةِ والعودةِ الى اللهِ سبحانه وتعالى، وإلى وحدةِ الكلمةِ والصف في مسيرة الخيرِ والإيمان.
فالصيامُ في رمضان المبارك فرصةٌ كبيرةٌ لتطهيرِ النفس والروح، وتعزيزِ الشعورِ بالتواضعِ ونكرانِ الذات لمصلحةِ الأمةِ والمجتمع، وتقويةِ الإرادةِ، والتحكمِ في الرغباتِ والشهوات، مما يجعلُ الصائمَ أكثرَ قدرةً على التحملِ والصبر، وأكثرَ تصميما على مواجهةِ العوائقِ بالحكمةِ والصبرِ والإيمان.
إنّهُ شهرُ العبادات العديدة، فبالإضافة إلى الصيام، هو شهرُ الفرصةِ الحقيقية للإكثار من قراءة القرآن الكريم، والحرص على ختمه في رمضان، ولعلَّ صلاةَ التراويحِ خلفَ الإمامِ تشكّلُ فرصةً ممتازةً لتصحيحِ أسلوب قراءةِ القرآن وضبطِ مخارج الحروفِ وحفظِه والإستزادةِ والتأمّلِ في معانيه.
هو شهرُ فعلِ الخير ومساعدة المحتاجين، فكثيرون يُخرجون زكاتَهم في رمضان، وكثيرون ينالون نعمةَ إسعاد الآخرين من خلال الصدقات فتتعزز روح التكافل الاجتماعي والاهتمام بالفقراء والمساكين.
هو شهرُ ليلةِ القدْر الليلة التي أُنزل فيها القرآن وهي من أعظم الليالي في السنة إن لم تكن أعظمَها على الإطلاق، قال تعالى في سورة القدر في كتابه العزيز” لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ”تنزَّلُ الملائكةُ والروحُ فيها بإذن ربهم من كل أمر، سلام هي حتى مطلع الفجر”.
هو شهرُ التميزِ بتوثيق الروابط الاجتماعية، فتجتمعُ العائلةُ بكلِّ مكوناتها ويلتقي الأصدقاء، ويشكلُ الإفطارُ والسحورُ مناسبةً للتلاقي والتكامل الاجتماعي، وتتسابقُ الأسرُ لإعداد الأطعمة التقليدية والمأكولاتِ الرمضانية، كما يسعدُ البعضُ بإسعادِ الأيتام والمساكين بإطعامهم بما قد لا يتمكنون من نيله بقدراتهم الخاصة.
هو شهرٌ يُختتم بقدوم عيد الفطر، فيفرح الصائمُ بالعيد، ويحرصُ على إخراج زكاة الفطر، وهي صدقة واجبة قبل أداء صلاة العيد، فينال الأجرَ من أخرجها، ويسعدُ من تلقّاها.
شهرُ رمضان هو فرصةٌ عظيمةٌ للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى وتجديد إلإيمان. هو شهر تطهير الروح، وشهر العبادة المتنوعة، وشهر التكافل الاجتماعي، وشهرُ مراجعة الذات.
شهرُ رمضان هو شهر الفتوحات والمعارك الكبرى والانتصارات في التاريخ الإسلامي، والتي غيّرت وجه التاريخ، ولعل معركة بدر الكبرى هي الأشهر والأهم بين هذه المعارك وهي التي وقعت في اليوم 17 من رمضان في السنة الثانية للهجرة (624م)، حين انتصر المسلمون بقيادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، رغم قلة عددهم، على قريش. كما أنَّ معركة فتح مكة التي وقعت في السنة الثامنة للهجرة (630م)، استطاع فيها المسلمون تغيير وجه التاريخ فتحققت واحدة من أكبر الانتصارات في تاريخهم. أما معركة عين جالوت التي وقعت في عام 1260م بين المسلمين بقيادة السلطان المملوكي سيف الدين قطز والمغول في شهر رمضان أيضًا كانت نقطة فارقة في تاريخ الأمة الإسلامية، حيث تمكن المسلمون من هزيمة المغول في إحدى أهم المعارك ضدهم وتغيير الجغرافيا السياسية في المنطقة.
شهر رمضان هو الشهر الاعظم في الإسلام، يحمل الكثير من الفضائل والبركات، فهو شهر نزول القرآن الكريم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى في سورة البقرة “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان”. وهو شهر المغفرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وفق البخاري ومسلم “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”. وهو شهر البركة في الرزق ففيه تفتحُ أبوابُ الجنة وتغلق أبواب النار، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وفق البخاري ومسلم “إذا دخل رمضان فُتِحت أبواب الجنة، وغلِّقت أبواب النار”. شهر رمضان هو شهر الرحمة والمغفرة، هو شهر الفرصة العظيمة للتقرب إلى الله، هو شهر التسامح والصفح.
شهر رمضان هو شهر الارتقاء بالدعاء، فبعد الإفطار ندعو: اللهم إني لك صمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وعلى رزقك أفطرت، فتقبل مني. وعند السحور ندعو: اللهم بارك لنا في طعامنا وشرابنا، وتقبل منا صالح الأعمال.
وندعو في رمضان وفي كل وقت: اللهم اجعلنا من الذين يسيرون على صراطك المستقيم، واجعلنا من أهل الجنة. اللهم إنك عفوٌ كريمٌ تحب العفو فاعف عنا. اللهم اجعلنا من عتقاء شهر رمضان، وارزقنا في رمضان ما تقر به أعيننا. اللهم إنا نسالك من فضلك ورحمتك، فإنك تقدر ولا نقدر، وتعلم ولا نعلم. اللهم اجعل رمضان هذا شهر خير وبركة، وارزقنا فيه رحمتك ومغفرتك وعتقك من النار.
الدكتور عمّار حوري