المهندس عبد السميع عبد الله الشريف
رئيس جمعية إرادة
يحلّ علينا شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، حاملاً معه فرصة عظيمة لتجديد الإيمان وتقوية الصلة بالله عز وجل. إنه ليس مجرد صيام عن الطعام والشراب، بل هو شهر القرآن، الذي أُنزل هدىً للناس. في هذا الشهر الفضيل، نحن مدعوون ليس فقط لقراءة القرآن، بل لفهم معانيه، والتأمل في آياته، والانطلاق منها إلى تطبيق القيم السامية التي يدعو إليها في حياتنا اليومية.
القرآن في رمضان: قراءة وفهم وتطبيق
القرآن الكريم هو نور وهدى، وفي رمضان تتضاعف الحوافز لقراءته وتدبره. كان رسول الله ﷺ يكثر من تلاوته، وكان جبريل عليه السلام يُدارسه القرآن كل ليلة. ونحن علينا أن نستثمر هذا الشهر في التعمق في معانيه، لا سيما تلك التي تحثنا على الصبر، والتقوى، والإحسان.
لا يكفي أن نقرأ القرآن بألسنتنا فقط، بل يجب أن نجعله منهجًا لحياتنا. فقد وصفه الله بأنه “هدىً للناس”، أي أنه يوجهنا إلى الطريق القويم في تعاملاتنا، وصبرنا على المحن، وسعينا لتحقيق العدل والرحمة. فلنجعل من رمضان بداية لتغيير حقيقي، لا مجرد عادة مؤقتة.
التقرب إلى الله واستحضار عظمته
رمضان هو شهر القرب من الله، حيث تتضاعف الحسنات، وتفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار. وهو فرصة لاستحضار عظمة الله وقدرته وجلاله في كل لحظة، سواء عند الصيام أو في صلاة التراويح أو في أوقات السحر بالدعاء والخشوع.
استحضار عظمة الله يعيننا على التحرر من قيود الدنيا والتعلق الزائد بالماديات. فرمضان يعطينا الفرصة لنذكر أنفسنا بأن هذه الحياة ما هي إلا مرحلة عابرة، وأن الهدف الأسمى هو رضا الله والفوز بالآخرة. فكلما زاد إيماننا بعظمة الله، قلّ تعلّقنا بالماديات، وأصبحنا أكثر طمأنينة وسعادة.
رمضان فرصة لحضور مجالس العلم والتعرف على جوهر الإسلام
رمضان يُهيئ لنا فرصة لحضور مجالس العلم، حيث تتفتح القلوب لاستقبال المعرفة، وتتوق العقول لفهم حقيقة هذا الدين العظيم. فالإسلام ليس مجرد عبادات شكلية، بل هو منهج حياة يدعو إلى السلام والمحبة والتسامح، ويحثّ على الأخلاق الفاضلة.
نحن بحاجة إلى العودة إلى جوهر الإسلام، إلى تعاليمه التي تدعو إلى الرحمة، وإلى سنة نبينا الكريم ﷺ التي جسدت القيم العليا من حب وتعاون واحترام. حضور دروس الفقه والتفسير والسيرة النبوية في رمضان يساعدنا على تصحيح المفاهيم الخاطئة، وفهم الإسلام كما جاء به النبي، بعيدًا عن التشدد أو التقصير.
القيم الفاضلة التي نحتاجها في أيامنا هذه
رمضان يعلّمنا الصبر عند الامتناع عن الطعام، والشكر عند الإحساس بنعمته، والتواضع عندما ندرك حال الفقراء. وهو يذكرنا بقيم الإحسان، والتكافل الاجتماعي، والصدق، والإخلاص، وحسن الخلق، وهذه القيم ليست مجرد نظريات، بل هي أسس لبناء مجتمعات متماسكة قادرة على تجاوز الأزمات والمحن.
نعيش في عالم مادي يطغى فيه حب التملك، لكن رمضان يعيد التوازن إلى حياتنا، ويذكرنا بأهمية الرحمة والتعاون. إنه فرصة للتخلي عن الأنانية، والالتفات لمن حولنا، والعمل على نشر الخير بكل أشكاله.
رمضان ليس مجرد صيام، بل هو محطة روحية عظيمة لإعادة بناء علاقتنا بالله، وللارتقاء بأنفسنا، ولمراجعة أولوياتنا. هو شهر القرآن، الذي يجب أن يكون نورًا نهتدي به، وهو شهر التقرب إلى الله، الذي يمنحنا فرصة لتحرير قلوبنا من قيود الدنيا، وهو شهر العلم، الذي يمكننا من فهم حقيقة ديننا القائم على السلام والمحبة.
فلنجعل من رمضان بداية لتغيير حقيقي، لا مجرد فترة مؤقتة، بل نقطة انطلاق لحياة أكثر صدقًا وإيمانًا وخيرًا، مستلهمين منه القيم التي نحتاجها في كل وقت.
المهندس عبد السميع عبد الله الشريف