مفتي حاصبيا ومرجعيون / القاضي الشيخ حسن إسماعيل دلي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
يطلّ علينا شهر رمضان المبارك كل عام حاملاً معه نفحات الإيمان، وأجواء الطمأنينة، وفرصًا عظيمة للتقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة. إنه شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، حيث تتجلى فيه معاني التكافل الاجتماعي، وتتعاظم فيه فرص الإحسان والعطاء. إلا أن استقبال هذا الشهر الفضيل في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها كثير من المجتمعات يتطلب منا وقفة تأمل ومراجعة لأنفسنا، والتفكير في كيفية التخفيف عن المحتاجين، خاصة الفقراء والأيتام الذين يواجهون معاناة مضاعفة في مثل هذه الأوقات
يجب أن يكون استقبال رمضان استعدادًا متكاملاً، لا يقتصر على الجوانب الروحية من صيام وقيام وقراءة للقرآن فحسب، بل يتعدى ذلك إلى الاستعداد المجتمعي الذي يعكس قيم الإسلام في الرحمة والتعاون. في ظل الضغوط الاقتصادية، تزداد الحاجة إلى استحضار هذه المعاني أكثر من أي وقت مضى، فالصيام لا يعلّمنا فقط الصبر والإيمان، بل يربينا أيضًا على الشعور بمعاناة الآخرين، وخاصة أولئك الذين لا يجدون قوت يومهم
لقد تركت الأزمات الاقتصادية المتلاحقة آثارًا عميقة على الأسر محدودة الدخل، وزادت من معاناة الفقراء والمحتاجين. أما الأيتام، فهم الفئة الأضعف في المجتمع، إذ فقدوا سندهم الطبيعي في الحياة، ويحتاجون إلى من يمد لهم يد العون، لا سيما في شهر كريم يتضاعف فيه الأجر والثواب. فكيف لنا أن نحتفل برمضان ونحن نعلم أن هناك من لا يجد ما يفطر عليه عند غروب الشمس؟
إن من أعظم الأعمال التي يمكن أن يتقرب بها العبد إلى ربه في هذا الشهر الفضيل هو الإنفاق في سبيل الله، ومساعدة المحتاجين. قال الله تعالى:
﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: 8].
وفي هذا تأكيد على أن إطعام الطعام والإنفاق على الفقراء والأيتام من أفضل القُرُبات، خاصة في رمضان، حيث تضاعف الحسنات.
وعلى الموسرين في المجتمع أن يدركوا أن أموالهم هي أمانة بين أيديهم، وأن شكر هذه النعمة يكون بالإنفاق منها على من هم في أمسّ الحاجة. فالصدقة لا تنقص مالًا، بل تزيده بركة، وتجلب الرحمة، وتدفع البلاء. وفي هذا الشهر، حيث تغلق أبواب النار وتفتح أبواب الجنة، تكون الفرصة سانحة أمام القادرين لمد يد العون ومساندة الأسر المتعففة.
هناك العديد من الوسائل التي يمكن من خلالها مساعدة الفقراء والأيتام، ومن أهمها:
1.إفطار الصائمين: يمكن تنظيم موائد رحمن أو توزيع وجبات إفطار وسحور على الأسر المحتاجة.
2.التكفل بالأيتام: سواء بالدعم المالي المباشر أو توفير احتياجاتهم التعليمية والصحية.
3.الزكاة والصدقات: إخراج الزكاة في رمضان له أجر عظيم، كما أن الصدقات الطوعية تعين الأسر على تلبية احتياجاتها.
4.كسوة العيد: إدخال السرور على قلوب الأطفال الأيتام والفقراء من خلال توفير ملابس العيد الجديدة لهم.
5.المبادرات المجتمعية: المشاركة في حملات تطوعية لجمع التبرعات أو توزيع المواد الغذائية.
إن هذا الشهر فرصة عظيمة لتجديد العهد مع الله، ولن نجد أفضل من مساعدة الفقراء والأيتام سبيلاً لتحقيق ذلك. فحينما تمد يدك بالعطاء، فأنت في الحقيقة تمنح نفسك فرصة للفوز برضا الله ومحبته. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم» (رواه الطبراني).
إن الظروف الاقتصادية الصعبة لا ينبغي أن تمنعنا من إحياء قيم رمضان الحقيقية. فالمؤمن الحق هو الذي يسعى لتفريج كرب أخيه المسلم، ويحرص على أن يكون عونًا للفقراء والأيتام، خاصة في هذا الشهر المبارك. إن التضامن والتكافل هما السبيل لتجاوز الأزمات، ورمضان هو المدرسة الكبرى التي تعلمنا كيف نتشارك هموم الحياة ونخففها عن بعضنا البعض.
فليكن رمضان هذا العام موسمًا للعطاء الحقيقي، ولنتذكر أن السعادة الحقيقية تكمن في أن نكون سببًا في إسعاد الآخرين، فكم من محتاج سيدعو لك بظهر الغيب، وكم من يتيم سيبتسم لأنك تذكرت حاجته.