بقلم د. جلال حلواني
خبير بيئي واستاذ جامعي
في كل سنة يطل علينا ضيف كريم، يتجلّى علينا بخيراته وبركاته ويفتح ذراعيه الى المسلمين مبتسما لهم، فيقبلون على القيام باعمال الخير، فتراهم يسارعون الى اطعام الفقير ومساعدة المحتاج، كما انهم يعودون فيه الى دينهم عودا كريما، فتراهم يقبلون على قراءة القرآن وأداء الصلوات في المساجد وأداء الزكاة والالتزام بآداب الصيام. فشهر رمضان المبارك هو شهر كل الطاعات المفروضة على المسلم باستثناء الحج، فطوبى لمن اغتنم هذا الشهر الفضيل ليرضي مولاه بما التزم القيام به وطوبى لنفسه بتقواها، تحقيقا لوعد الله عز وجل في كتابه العزيز: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴾ [الرعد: 29].
رمضان زمان البركات ، رمضان زمان الحسنات، رمضان مجال الصلوات، فعجب لمن يدرك شهر رمضان ولم يغفر له ولم يستفيد من هذه الفرصة السانحة ليطهّر نفسه مما عملت من الذنوب في السنة الماضية، ولم يجدد ايمانه وعلاقته مع ربه فيعود كما ولدته امه، صافيا نقيا طهورا. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رغِمَ أَنفُ (أي خاب وخسِر) رجلٍ دخل عليه رمضانُ ثمَّ انسلخَ قبل أن يُغفَرَ له».
رمضان طهور الأرواح، رمضان زمان الافراح، رمضان منال الإصلاح، فمِنْ أعظم نعم الله تعالى على عباده المؤمنين أن يُبَلّغهم شهر رمضان، ليكون فرصة لهم ليطهّروا ارواحهم مما علقت بها مشاغلهم في دنياهم وليفرحوا بان الله قد غفر لهم، فهو موسم الإصلاح في دنيا الانسان لاخرته، فترى المسلم الصائم يعفو ويصفح عن من آذاه، وتراه في أواخر شهر رمضان يفرح بما قام به ويقُر عينه بانه قد أدى الأمانة قبل فوات الأوان، مستذكرا قول المولى عز وجل في كتابه العزيز في سورة آل عمران : ﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) .
لقد فضَّل الله عز وجل هذا الشهر المبارك على سائر الشهور والأيام، ففي شهر رمضان يكفّر الله فيه ما فرط الانسان خلال السنة الماضية من ما أخطأ ، شهر رمضان اجتمع فيه مِنْ فضلٍ وخير ما لم يجتمع في غيره من سائر الشهور والأيام، فهو موسم غفران الذنوب وتكفير السيئات، شهر تفتح فيه أبواب الجِنان، وتغلق فيه أبواب النيران، ويُنادي فيه منادٍ: «يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر»، فهنيئا لمن عرَف فضل وقدر رمضان، ومبارك لمن ربح في نهاية رمضان، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه».
ان شهر رمضان هو فرصة ذهبية ليبدأ الإنسان فيه صفحة جديدة من التوبة والاستقامة، والمحافظة على طاعة الله وعبادته، فهو شهر مَنْ حُرِم خيره فهو المحروم، ومن فاز فيه بمغفرة الله فهو الفائز حقا.. ولِمَا في شهر رمضان من خير وفضل، كان دعاء جبريل وتأمين النبي صلى الله عليه وسلم بخيبة وخسران من أدرك رمضان ولم يقم فيه بما يوجب الغفران والعتق من النيران، قال جبريل: «يا محمَّد، مَن أدرك شهرَ رمضانَ فماتَ فلم يُغْفَرْ له فأُدْخِلَ النَّارَ فأبعدَه الله، قُل: آمين، فقلتُ: آمين».
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يصوم ويقوم شهر رمضان إيماناً واحتسابا، وأن يجعلنا من عتقائه من النار ومن الفائزين المقبولين، وأن نستمر في الجود والعطاء وصالح الاعمال والطاعات وتلاوة القرآن ومجاهدة النفس بعد رمضان، انه سميع مجيب.
د. جلال حلواني