حديث رمضان “ – رمضان بأية حال تتركنا يا رمضان ؟؟”

النائب بلال الحشيمي

«عضو مجلس النواب اللبناني»

في هذا الشهر المبارك، لا يسعني إلّا أن أهنّئ من اغتنم الفرصة لصقل الروح، خصوصاً في العشر الأواخر من شهر رمضان، الّتي فيها ليلة القدر، بعظيم قدرها، والّتي زادها شرفًا أنّ اللّه تعالى أنزل القرآن الكريم فيها، فكان نوراً على نور، نور الصيام والقيام، ونور الاعتكاف وتنقية القلب من شوائب الدنيا وملهياتها، ونور القرآن الّذي جعله اللّه هدى لمن أراد طريق الحقّ، فكانت هذه الأيّام مناسبة للتضرّع إلى اللّه، والتوجّه إليه بصادق الدعاء أن يعمّ السلام والأمان على غزّة ولبنان وبلاد المسلمين.

كما أنّني أدعو إلى أخذ العبر، والتحلّي بأخلاقيّات هذا الشهر الفضيل، ونبذ الخلافات، والابتعاد عن كلّ ما يفسد العلاقات، متمنّيا أن لا يدّخر المسؤولون أيّ سبيل لإخراج لبنان من عتمة الشغور الرئاسيّ أوّلاً، والأزمة الاقتصاديّة الّتي أرخت بظلالها الثقيلة على كواهل اللبنانيّين في مختلف القطاعات ثانياً.

إنّ الصوم في هذه الأوقات الفضيلة، له معنى خاصّ؛ فهو يجعلنا نشعر بما يكابده الجوعى والمحرومون والفقراء، فالغزّاويّون يتضوّرون جوعًا، وإن كان الصائم يمتنع عن الطعام، فأهل غزّة يمتنع الطعام عنهم، وتذوب أجسامهم تحت وطأة الجوع.

وغير بعيد عنهم، يعيش الكثير من اللبنانيّين دون خطّ الفقر، ولا يكادون لضيق أحوالهم يجدون ما يسدّون به رمقهم، كما أنّ كثيراً من بقاع الأرض في هذه الأيّام فيها مآسي ومجاعات، لا يصدّق العاقل أنّها تحدث في فترة تتباهى فيها البشريّة بما وصلت إليه من حضارةٍ وتطوّر.

وفي الوقت الّذي غزا فيه الذكاء الاصطناعيّ الكثير من التطبيقات، والكثير من الأجهزة والآلات، حتّى أصبحت أقرب ما يكون إلى التفكير والفهم، فإنّ الإنسانيّةَ هجرت الكثير من القلوب… والوعيَ هجر الكثير من العقول، حتّى غدا الكثير من البشر وللأسف الشديد، أشبه برجال آليّة تتحرّك دون وعي، بناءً على ما يرسم لها من خططٍ، من قبل أعداء الإنسانيّة، حتّى أنّ الأنانيّة وفقدان الضمير، لا يمكن أن تبرّر هذا الانسياق وراء من يريد هدم قيم البشريّة، وقتل الأخلاق والمبادئ.

يمرّ شهر رمضان هذا العام على أهلنا في الجنوب وفي قطاع غزّة في ظلّ ظروف إنسانيّةٍ قاسيةٍ، وحالةٍ من الحزن تخيّم على العائلات الّتي فقدت أقاربها وبيوتها جرّاء العدوان الإسرائيليّ.

أناس أبرياء لا حول لهم ولا قوّة، يُقتَلونَ ويُشَردونَ ويُجوَّعونَ دون وجه حقّ.

العالم كلّه في حالة ذهول من هول المشاهد الّتي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعيّ والقنوات الإخباريّة، حتّى أنّ أشدّ القنوات انحيازاً للعدوّ الظالم لم تستطع إخفاء هذه المشاهد، وأصبح المسلمون والشرفاء في هذا العالم يصومون على الأحزان ويفطرون على المآسي.

إزاء كلّ ما سبق، أحثّ المجتمع الدوليّ على ضرورة التحرّك الفوريّ، وكفّ آلة القتل والإجرام الإسرائيليّ، ووقف العدوان المستمرّ على غزّة، والاعتداء السافر على سيادة لبنان.

وأتوجّه لهم بالقول: إن لم تصوموا عن الطعام في أيّام رمضان، فصوّموا عن النفاق، صوّموا عن الكيل بمكيالين، صوّموا عن استباحة دماء الأبرياء.

إنّ الّذي يجري في غزّة، ليس أمرًا يمكن التغاضي عنه أو تناسيه، وسيكون الدهر شاهداً على كلّ من ساهم في هذه المأساة، وكلّ من تخاذل، وكلّ من أيّد هذا العدوان السافر على الآمنين، والّذي لن تبرّره الحجج الواهية، ولن يعمي رمادهُ عين الحقيقة.

أؤكّد لكم أنّ شعوبكم ستحاسبكم وستتبرّأ منكم كما تبرّأت من الأعمال الوحشيّة الّتي حدثت وتحدث في غزّة.

للصابرين والأبرياء والشرفاء في غزّة أرسل أحرّ التعازي، وأصدق الدّعاء بأن يتقبّل اللّه شهداءهم، ويواسيهم ويخفّف عنهم وطأة هذا العدوان، وأن يجعل صبرهم وثباتهم في ميزان حسناتهم، وأقول لهم: عسى اللّه أن يجعل ختام هذا الشهر الفضيل بداية للفرج، ولحظة استفاقة لضمير البشريّة النائم، آواكم اللّه ورحمكم وثبّت أقدامكم.

إن كنت قلت ما قلته بحقّ غزّة وأهلها المظلومين، بصفتي إنسان يحترم إنسانيّته، ومسلم يحترم دينه ومبادئه العادلة الداعية للسلام وخير البشريّة، فإنني كنائب عن الشعب اللبنانيّ أعود وأدعو السّياسيّين في لبنان كافّة، إلى تحمّل مسؤوليّاتهم، والمضيّ قدمًا في سبيل التوصّل بشكل عاجل إلى توافق على انتخاب رئيس للجمهوريّة، وإراحة البلاد والعباد، لا سيّما في ظلّ الأخطار المحدّقة بلبنان من كلّ حدب وصوب.

لا يسعنا ونحن في عين الحدث أن نترك للحسابات الجانبيّة والمصالح الشخصيّة مكان الأولويّة في خياراتنا، ونحن نعلم علم اليقين أنّ الوضع لا يحتمل التأخير، وأنّ كلّ لحظة تمرّ دون اتّخاذ قرارات مصيريّة جامعة تأخذ بالحسبان مصلحة لبنان وشعبه هي لحظة خذلان للوطن، ولأهلنا الّذين وضعوا ثقتهم بنا وحمّلونا أمانة هذا البلد.

عسى أن يكون شهر رمضان مناسبة للتأمّل، والعودة للحقّ ولطريق الخير، لعلّ كلّ مسؤول في هذا البلد يتفكّر في معنى هذه الكلمة، (كلمة مسؤول) لأنّ العاقل يعلم كلّ العلم، أنّ هذه الكلمة ليست وسامًا يوضع على الصّدور، إنّما هي التزام أمام الناس وأمام اللّه، وأمانة في الأعناق.

إنّ التأخّر في وضع قطار التوافق السياسيّ على مساره، سينعكس سلبًا على كلّ لبنانيّ شريف يأكل من عرق جبينه، ابتداء بالموظّف الّذي لا يكاد راتبه الشهريّ يكفيه أسبوعاً واحداً، مروراً بالعامل، وانتهاءً بأصحاب المهن والمنشآت الصغيرة.

إنّ هؤلاء في حقيقة الأمر هم من يحمل عبء الوطن على كاهله، وهم من تدور بجهودهم عجلة الاقتصاد، لذلك لا يحقّ بأيّ شكل من الأشكال لأيّ سياسيّ أن يضع العصا في عجلة حياتهم، ولا أن يتهاون في حقوقهم الّتي من أبسطها عيش كريم في وطن كريم.

النائب بلال الحشيمي