حديث العيد _ فطر مبارك … كل عام وأنتم بخير

بقلم المهندس بسام برغوت

جعل الله تعالى للناس أيّاماً محددة من السنّة؛ لإظهار الفرح والسرور من خلال ممارسة شعائر الدين، ومن تلك الأيّام: أيّام عيد الفِطر، وعيد الأضحى.

فللعيد في الإسلام مكانةٌ ايمانية واجتماعية عالية ؛ إذ يبدأ المسلم يوم عيده بتطهير بَدنه، وارتداء افضل ما عنده من الثياب، ثمّ يَشرع في حمد الله والتكبير أداء صلاة العيد؛ إيذاناً باستكمال العمل الصالح الذي بدأه في رمضان، وتأكيداً على استمراريّة العبادة لله بتوالي الليالي والأيّام، أنّ صلاة العيد هي شُكر لله تعالى على قبوله عباده صيام الشهر الفضيل الذي تتحقّق به ومعه مغفرة للذنوب والعِتق من النار.

تتجدّد في أيّام العيد روح الوحدة الاجتماعية بين المسلمين؛ فاداء صدقة الفِطر تلبي حاجات الفقراء في ذلك اليوم، كما تتجدّد الصِّلات الاجتماعية بين المسلمين بتبادل الزيارات والتهاني وتواصل الأرحام ، ويتبادلون عبارات المَودّة والتهاني، وتظهر روح الأُخوّة الإسلاميّة بينهم في أسمى صُورها وأجملها، وتتحقّق فضيلة الإخلاص في نفوس ابناء الأمّة الواحدة نابذين كلّ حِقدٍ وغِلّ؛ بإظهارها معاني التكافل والرحمة الإنسانيّة، وليشكل المسلمون مجتمعاً بعودة تلك الأيّام مجتمعاً إنسانيّاً مُوحّداً متعاضداً معطاء .

أجمع أهل العلم على أنّ ثبوت موعد عيد الفِطْر يكون بثبوت الرؤية الشرعيّة لهلال شهر شوّال، فإذا لم تثبت رؤية الهلال في ليلة الثلاثين من رمضان، أكمل المسلمون صيام شهر رمضان ثلاثين يوماً؛ استدلالاً بما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام قال: “ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فإنْ أُغْمِيَ علَيْكُم فاقْدِرُوا له ثَلاثِينَ “ .

ولقد فُرِضت زكاة الفِطر على كلّ مسلمٍ ، ذكراً أو أنثى، صغيراً أو كبيراً؛ فهي زكاةٌ واجبةٌ يُخرجها المسلم عن نفسه، وعن كلّ مَن تلزمه نفقتهم من الأقارب، وتسقط زكاة الفِطر عن مَن لا يملك طعاماً يزيد عن كفاية نفسه وأهله، ولا تجب على الجنين في بطن أمّه إلّا تطوُّعاً؛ استدلالاً بفِعل الخليفة عثمان بن عفّان رضي الله عنه؛ إذ كان يدفع زكاة الفِطر عن الأجنّة في بطون أمّهاتهم، ويُستدَلّ على وجوب زكاة الفِطْر بما ورد في السنّة النبويّة من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنّه قال: “ فَرَضَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَدَقَةَ الفِطْرِ أوْ قالَ: رَمَضَانَ- علَى الذَّكَرِ، والأُنْثَى، والحُرِّ، والمَمْلُوكِ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ فَعَدَلَ النَّاسُ به نِصْفَ صَاعٍ مِن بُرّ “ .

أجمعَ علماء الأمّة الإسلاميّة على أنّ صلاة العيد تُؤدّى ركعتَين، يدعو الإمام المسلمين إلى شهودهما دون أذانٍ ولا إقامةٍ، فيستهلُّ الصلاةَ بتكبيرة الإحرام، ثمّ يُكبّر سبع تكبيراتٍ، أو ستّ، ويرفع يدَيه عند كلّ تكبيرةٍ، وإن لم يرفع فلا حرج، ويُسَنّ له أن يذكر الله بين التكبيرات؛ بالتهليل، والتكبير، والصلاة على النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، ومِمّا يُشرع ترديده بين التكبيرات قول: “الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بُكرة وأصيلاً، وصلّى الله على محمّدٍ وآله وصحبه وسلّم، تسليماً كثيراً”، وإن لم يردّد بين التكبيرات فلا حرج، ثمّ يقرأ الفاتحة، وسورةً أخرى من القرآن الكريم ، ويُسَنّ أن تكون سورة الأعلى أو سورة ق في الركعة الأولى، ثمّ يركع، ويُكمل صلاته كسائر الصلوات، ثمّ يقوم للركعة الثانية مُكبّراً، ثمّ يُكبّر خمس تكبيراتٍ غير تكبيرة الانتقال، ويقرأ الفاتحة، ثمّ يقرأ سورةً من القرآن، ويُسَنّ أن تكون سورة الغاشية أو سورة القمر، ثمّ يركع، ويُكمل صلاته كسائر الصلوات، ثمّ يخطب بالمُصلّين بعد الانتهاء من الصلاة خطبَتَين يجلس بينهما؛ قياساً على خُطبتَي الجُمعة، ويذكّر فيهما المسلمين بأحكام العيد، ويحثُّهم على الاستقامة والى العمل بما إلى أمر الله به، وامتثال أمره، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المُنكَر.

ان مِن واجب الناس في العيد تذكُّر بعضهم بعضًا ورعاية الفقراء والمحتاجين والمساكين والاهتمام بالأرامل واليتامى الذين ينتظرون العيد ليفرحوا فيه، لهذا يجب زيارتهم وتقديم هدايا العيد لهم وجبر خواطرهم حتى يفرحوا بالعيد ويبتهجوا بأجوائه؛ لأنّ العيد مثل الشجرة التي تلقي بثمار الفرح على الجميع كي يشعروا بالبهجة.

في الختام، في عيد الفطر الكثير من العبر والحكم والمواعظ، وفيه من الاشراقات الروحانية ما يمكننا من التوجه الى الله شاكرين عظمة الخالق سبحانه، متوسلين اليه أن يُديم علينا نعمة العيد ويُعيده أعوامًا عديدةً، ولا يحرمنا الأجر والثواب والفرح به، ان العيد هو من أعظم الأيام مرحاً للقلب، فهو اليومٌ الذي يعمّ فيه السرور جميع القلوب من كبير وصغير، وأكثر من يُفرح بالعيد هُم الأطفال الصغار الذين يجدون فيه البهجة والسرور واجتماع العائلة .

وفي الختام ايضاً ، تختلط في العيد مشاعر الفرحٍ والسرور في أجوائه المفعمة بالمحبة والرضى والحمدلله ، وما بين الطاعات والعبادات وغفران الذنوب، فهو فرصة ذهبية لتجديد الفرح ولاستعادة الإنسان طاقته ونشاطه ، استعداداً للانتقال الى مرحلة جديدة من عبادة الله بفرح وسعادة وامل ورجاء.

المهندس بسام برغوت