حديث الجمعة_حفظ اللسان من الإيمان

المهندس بسام برغوت

اللسان هو أحد أعضاء الجسم الصغيرة، ولكن له تأثير كبير في حياة الإنسان. بالكلام يمكن تحقيق الخير والنفع، وبالكلام يمكن أيضًا أن ينشر الشر والفتنة. لهذا السبب، جاء التأكيد على ضرورة حفظ اللسان في الإسلام كجزء من الأخلاق الحسنة التي يجب أن يتحلى بها المسلم.

إنّ من علامات الإيمان؛ أن يقول الإنسان الخير أو أن يصمت، ولا يخوض في الباطل، والفحش، والسبّ، والبذاءة، والغيبة، والسخرية، والاستهزاء؛ بل يحفظ لسانه عنها، قال النبيّ عليه الصلاة والسلام: “الْمُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ”.

حفظ اللسان هو الامتناع عن النطق بما لا يسوغ شرعاً، مما لا حاجة للمتكلم به، فالضَّابط الذي يحفظ اللِّسان عن اللغو هو الشَّرع، لهذا يجب على المسلم أن يتدبَّر الكلام الذي سيتكلَّم به ويفكِّر به ويزينه بميزان الشَّرع، وضوابطه، فإن كان موافقاً للشَّرع تكلَّم به وإلَّا فعليه حفظ لسانه، وقد شبَّه سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه اللِّسان بالحيوان المفترس، إن ترك وفتح له الباب، يخرج ويهلك النَّاس والأعراض ويهلك صاحبه، لذلك يجب على المسلم أن يتحكَّم بلسانه وما يبدر منه، بأن يُرَوِّض لسانه وأن يضبطه بما يوافق شرع الله تعالى، وأن يعوّد لسانه على ذكر الله تعالى؛ ليبتعد عن لغو الحديث، وللوقاية من نار جهنّم التي قد يدخلها الإنسان بفعل لسانه، وما ينطق به من أحاديث كاذبةٍ أو أحاديث فيها سوءٌ للآخرين أو اتِّهامٍ لهم بأشياءٍ لم يفعلوها، ممّا يثير الفتنة والمشاكل بين الناس، ودليل ذلك ما رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: “يا رسولَ اللهِ، أوإنَّا لمؤاخذون بما نتكلَّمُ به؟ فقال: وهل يُكِبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وجوهِهم إلَّا حصائدُ ألسنتِهم”.

وقد مدح الله تعالى المؤمنين بصفات جميلة منها في قوله تعالى: “وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ” (سورة المؤمنون). 

هناك آفات كثيرة ينطق اللّسان بها، ومنها:

  • الغيبة: لا يبالي كثير من الناس باغتياب إخوانهم، ويحسبونه أمراً هيناً، وهو عند الله عظيم، قال الله تعالى: “وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ” (سورة الحجرات).
  • الكذب: وهو من أكثر الأمور سوءًا، وأكثرها بعداً عن الله -تعالى-، والكذب طريق مشرع إلى النار، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا” .
  • شهادة الزور: عظّم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أمر قول الزور لما فيه من الإثم؛ ولأنّه يجعل الحق باطلاً، والباطل حقاً، قال الله تعالى: “فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ” (سورة الحج)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ قَالَ: قَوْلُ الزُّورِ”.
  • القذف: هو أن يطلق بعض الناس ألسنتهم في أعراض الناس دون محاسبة ولا تقوى، فيقذفون العفيفات الغافلات، وقد جعل الله تعالى عقوبة ذلك عظيمة، قال الله تعالى: “وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” (سورة النور).

يستطيع الإنسان أن يحفظ لسانه من خلال عدد من الطرق، منها ما يأتي:

  • التفكر قبل الكلام: قبل أن تتكلم، فكر في الكلمات التي ستقولها وما إذا كانت ستسبب أذى أو فائدة.
  • التحلي بالصمت: في كثير من الأحيان، يكون الصمت أفضل من الكلام، خاصة في الأمور التي لا تعنيك.
  • اختيار الكلمات الطيبة: احرص على اختيار الكلمات التي تحمل معاني الخير والمحبة، وتجنب الكلمات الجارحة.
  • أن لا يتحدَّث فيما لا يعنيه: ومن سوء استعمال اللِّسان أن يتحدَّث في ما لا يعنيه، فتراه يقول الأحاديث، ويوقد الفتن، وقد حذَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من هذا الفعل، فمن حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه.
  • أن يخلو الكلام من أذيَّة للنَّاس: فلا يجعل لسانه سليطاً على المسلمين، وقد بيَّن الرَّسول صلى الله عليه وسلم ذلك في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قوله: “المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ “.
  • انشغال اللِّسان بذكر الله تعالى: فهو الأمر الذي خُلٍق له، وتحقيق أمور الدُّنيا والآخرة، وحفظ اللِّسان والالتزام بآدابه هو ما أمرت به الشَّريعة سواءً في الكلام مع الله تعالى في الصَّلاة، أو الحديث مع النَّاس.

ختاماً،

إن من فوائد حفظ اللّسان أنّه يورث صاحبه حلاوة في الدنيا، وينجّيه في الآخرة من العذاب، ويحفظ وقته ووقت من حوله من الضياع في المشاحنات والخصومات والقيل والقال، لذا ينبغي على المرء المسلم حفظ لسانه مما يدنيه من النار، ويبعده عن الجنة؛ كالتلفظ بالكفر وقول الزور والغيبة والنميمة والقذف، وهذه الأخلاق المذمومة بمجموعها ما هي إلا مضيعة للوقت، ومدعاة للشقاق والنزاع بين الناس، وخسارة للحسنات.

حفظ اللسان هو جزء أساسي من الأخلاق الإسلامية، وله تأثير كبير على الفرد والمجتمع. بالكلمات يمكن أن نصنع عالمًا أفضل، ولذا يجب أن نحرص على استخدام هذا العضو الصغير بحكمة وتدبر.

المهندس بسام برغوت

التعليقات (0)
إضافة تعليق