المهندس بسام برغوت
جاء الإسلامُ بشريعةٍ شاملةٍ ووافيةٍ لم تترك جانباً من جوانب الدُنيا والآخرة إلا وآتتهُ نصيباً وافراً من الأمر، فنرى الإسلام قد تعرّض لحياة الناس العامّة والخاصة ونظم شؤونهم وعلاقاتهم ببعضهم البعض من خلال النظام الاجتماعي الإسلامي. كما اهتم الإسلام بصحة الإنسان النفسية والجسدية، ودعا للمحافظة على البيئة المحيطة به من ماء وهواء، ونبات وحيوان، وفي هذا المقال سنبين مدى اهتمام الإسلام بصحة الانسان وعافيته.
تُعتبر الصحة إحدى النعم التي أنعمها الله تعالى على عباده، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ” نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ منَ النَّاسِ الصِّحَّةُ والفراغُ “، حيث أخبرنا رسول الله في هذا الحديث الشريف أنّ الصحة والفراغ من أجلّ وأعظم نعم الله على عباده، فالصحة تُساعد الإنسان على أداء كافّة أعماله، ولكن رغم نعمة الصحة إلّا أنّ الكثير لا ينتبهون إلى هذه النعمة إلّا عند المرض، فالكيّس من انتهز صحته، وسخّرها بما هو مفيد ونافع في دنياه وآخرته.
يُنظر إلى الصحة من المنظور الإسلامي على أنّها ضرورة إنسانية وحاجة أساسية لكلّ شخص، فهي ليست أمراً مُترفاً أو حاجة كمالية، ويشمل مفهوم الصحة في الإسلام المحافظة على سلامة الإنسان من الأمراض، وأسبابها، والوقاية منها، ومن أجل ذلك وضع الإسلام القواعد العامة لدحر الضرر عن صحة الإنسان والحفاظ على حياته.
أظهر الدين الإسلامي العديد من المهارات الحياتية التي تحافظ على صحة الإنسان، ولعلّ أهمها ما يأتي:
- المحافظة على الحياة، حيث نهى الإسلام عن قتل النفس.
- حفظ الصحة من خلال حسن تدبير المشرب، والملبس، والمسكن، والهواء، والنوم، واليقظة، والحركة، والسكون، حيث يرى الهدي النبوي أنّ اعتدال جميع هذه الأمور يقود إلى دوام الصحة والعافية.
- اهتمام الإسلام بصحة الأبدان وقوتها، وعدم تعريضها إلى ما يضعفها.
- شرع الإسلام الصيام الذي له العديد من الفوائد الصحية للجسم.
- النهي عن إنهاك وإتعاب الجسم حتّى في مجال العبادات.
- اهتمام الدين الإسلامي الحنيف بالوقاية من الأمراض قبل حدوثها.
- دعا الإسلام لاتّخاذ كافّة أساليب الوقاية من الحوادث المختلفة.
- الأمر بالاغتسال الكامل مرة واحدة في الأسبوع الواحد على الأقل.
- تحريم شرب الخمر لما له من آثار سلبية على الصحة.
اعتنى الإسلام بالصحة وعدّها جزءاً من العناية بقوة المسلمين، فالإسلام يحرص على سلامة الأجسام التي تجري فيها عروق الصحة والعافية، وذلك لأنّ آثار الجسم الصحيح تنعكس على الفرد والمجتمع، ولذلك حارب الإسلام الأمراض، ودعا إلى التداوي، وأوجد أساليب شتّى للوقاية من الأمراض، ووضع قواعد الحجر الصحي عند ظهور المرض في منطقة ما، حيث مُنع الخروج أو الدخول إليها حتّى تنحصر رقعة الداء، واعتبر الإسلام أنّ النظافة، والصحة، والتجمّل هي أُساس لكلّ مسلم، وبها تنهض أمة الإسلام وتتطور.
كثيرةٌ هيَ الأدلّة التي توضّح اهتمام الإسلام بالصحّة؛ وذلك لأن حفظ النفس من ضرورات الإسلام التي يُركز عليها، ومن بعض الأمثلة على العلاقة بين الإسلام والصحّة، هي كما يأتي:
- الصلاة: تقوم الصلاة بالإضافة لكونها عبادة روحيّة بدورٍ صحي؛ يتمثل في أوقاتها الخمسة يومياً، والتي تقتضي الحركة للذهاب إلى المسجد، وتتضمن حركات تعمل من خلال الخشوع القلبي على الاسترخاء والطمأنينة، وتحقيق الاستقرار النفسي والوجداني، ومن أركان الصلاة الاطمئنان بين حركات الصلاة وهذا الاطمئنان يُعطي الراحة للمصلي بلا شك.
- الصيام: جاء في الحديث: (صُوموا تَصحُّوا)، فهُناكَ ارتباط بين الصحّة الجسديّة وبين الصيام؛ من خلال استراحة الإمساك عن الطعام والشراب خلال شهرٍ كامل وهوَ شهرُ رمضان، وهذا الشهر بمثابة نُقطة نِظام للجسد، وتهذيب للروح، وضبط للنفس والشهوات.
- تحريم ما يضرّ بصحة الإنسان: من أكبر الأمثلة على اهتمام الإسلام بالصحة الجسديّة تحريمهُ للخمر؛ الذي أثبت الطبّ بشكلٍ لا يقبل الجدل خُطورته على الإنسان من حيث الأمراض التي تنتشر بسبب هذا المشروب الخبيث. كما أنَّ الخمر يُذهب العقل الذي هوَ مصدر الوعي والإدراك، حيث إذا غابَ الحسّ عن الإنسان رُبّما ألحقَ الضرر بنفسه وبمن هُم حوله، فكم من الجرائم والقتل والحوادث التي كانَ سببها شخصاً مخموراً أفسدَ حياته وحياةَ غيره بخمره، ويدخل في باب التحريم كُلّ ما يُلحقُ الضرر بحياة الإنسان كالتدخين مثلاً الذي يُجمعُ فقهاء الأمّة على أنّهُ حرامٌ شرعاً؛ لتسببه بأمراض الرئة وغيرها.
ختاماً، يتعلق موضوع الصحة بسلامة الإنسان الجسدية والنفسية من الأمراض والأعراض التي قد تلحق به، وما تتضمنه من إجراءاتٍ وقائية ووسائل علاجية تهدف إلى تحقيق حياة هانئة له بعيداً عن التعب والألم والمشقة. ولأنّ من خصائص الشريعة الإسلامية أنّها شاملة فقد تطرقت إلى جميع جوانب الحياة الإنسانية، حيث نظرت الشريعة الإسلامية إلى موضوع الصحة على أنّها إحدى النعم الربانية التي ينعم الله بها على العباد، فالعافية التي تعتبر من حاجات الإنسان الأساسية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ، مُعافًى في جسدِهِ عندَهُ قوتُ يومِهِ، فَكَأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا ” فالحمد لله على نعمة العافية، ونسأل الله تعالى دوامها.
المهندس بسام برغوت