المهندس بسام برغوت
عرّف العلماء اليقين بتعاريف عديدة، وخلاصة ما فيها أنّه العلم الأكيد في القلب الذي ينفي الشكّ والالتباس والرّيب، وهو من الإيمان الجازم بمنزلة الروح من البدن، ويُعدّ اليقين أعلى وأرقى مراتب الإيمان، حيث إنه يزيل الشك من القلب ويحل الحقّ محله، وفي ذلك قول الله تعالى “وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ“ (سورة الحاقة)،
ومن معاني اليقين اللغوية أيضاً الموت، وفي هذا المعنى جاءت الآية الكريمة التي تحثّ على القيام بالعبادات والطاعات إلى لحظة موت الإنسان، قال تعالى “وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ” (سورة الحجر).
ولليقين ثلاثة أشكال:
الأول: يقين الخبر؛ ويُقصد به الثقة بالمُخبِر والطمأنينة لما يُخبر به.
الثاني: يقين الدلالة؛ وهو الخبر الموثوق، وهو أعلى رتبة ومكانة من يقين الخبر، ومن الأمثلة عليه إقامة الله للأدلة والبراهين على صدق رسله ووحيه وهو سبحانه أصدق الصادقين، فيحصل لهم بذلك يقين الخبر ويقين الدلالة.
الثالث: يقين المشاهدة، والمُراد به أن يصير الأمر بالنسبة للمخبَر به كأنّه مرئيّ، فيؤمن بالخبر والغيب الذي فيه، وكأنه يراه رأي العين، وهذا الشكل من اليقين الأعلى على الإطلاق.
ولليقين درجات كلما تطور العبد في عباداته وعلمه، انتقل إلى درجةٍ أفضل في اليقين، ومن هذه الدرجات:
• علم اليقين: هو العلم والمعرفة بالشيء دون شك.
• عين اليقين: هو مرحلة متطورة عن علم اليقين، وفيها يكون تشكل اليقين نتيجة المشاهدة والاكتشاف.
• حق اليقين: هو أتم اليقين، وفيه نتج اليقين من المخالطةٌ والتمييز.
يتصف أهل اليقين بالعديد من الصفات التي أشارت إليها نصوص القرآن الكريم الصريحة والسنة النبوية الصحيحة، ومن تلك الصفات:
• يؤمنون بالغيب: أهل اليقين يؤمنون بما أنزله الله ورسوله من غيبيات، والتي وردت في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، قال تعالى: “ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ“ (سورة البقرة)، فهم يؤمنون بالغيبات من البعث، والنشور، والحساب، والجزاء، والجنة، والنار، ويؤمنون بالله ويفعلون ما أمر الله به ويتركون ما نهى عنه طمعا بجنات نعيم.
• يوقنون بأن الرزق بيد الله وحده: فالله هو الرازق وحده وليس لأحدٍ سواه تدخّل في الأرزاق إلا بأمر الله سبحانه وتعالى، فلا يمكن لأحدٍ أن يمنع الرزق عن أحدٍ إذا أعطاه الله، ولا أن يعطي أحداً منع الله عنه العطاء، قال سبحانه: “وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ* فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ“ (سورة الذاريات).
• لا يزيغون عن الحق: أهل اليقين لا ينصرفون عن الحق إلى الباطل، قال تعالى: “وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ“ (سورة البقرة)، فيؤمنون بكل ما جاء عن الله من طريق الوحي إيمانا جازماً من غير رياءٍ أو نفاقٍ.
• يُحكِّمون شرع الله تعالى: في جميع شؤون حياتهم من عبادات ومعاملات وعقوبات وغيرها، ولا يتركون الحكم لأهل الباطل ليزيغوا في الحق، قال تعالى: “أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ“ (سورة المائدة).
• يؤمنون بالقرآن الكريم كله: فهو من عند الله عز وجل، فيأخذون بأحكامه، ويتخلّقون بأخلاقه، ويطبقون حدوده، ويفعلون ما أمر به، ويتركون ما نهى عنه، قال تعالى: “وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ“ (سورة السجدة).
• يؤمنون ويصدّقون بمعجزات الله: قال تعالى: “إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ* وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ* وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ* تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ“ (سورة الجاثية). وقال سبحانه عن سيّدنا إبراهيم عليه السلام: “وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ“ (سورة الأنعام)، كما أنهم يتفكّرون في خلق الله في هذا الكون، ويرون إعجاز الله في خلقه ويؤمنون بها.
• يوقنون بأنّ النفع والضر بيد الله: وليس لأحد أن ينفع غيره أو يضرّه إلا بأمر الله عز وجل وحده، قال تعالى: “وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ“ (سورة يونس)، فهم يؤمنون بالقضاء والقدر خيره وشره.
ختاماً،
إن اليقين له أهمية كبيرة في حياة الفرد المسلم، وسنذكر في ما يأتي بعض الآثار والفوائد المترتبة على تحقق اليقين في نفس الفرد المسلم:
• قرب المسلم من ربه، وزيادة الرضا واليقين بالله تعالى.
• التوكل على الله تعالى في شتى الأمور.
• الزهد فيما عند الناس.
• الرضا الكامل بقضاء الله تعالى وعطاياه.
• إكساب صاحب اليقين العزة والرفعة بين الناس.
• يورث صاحبه الإخلاص والصدق في القول والعمل.
المهندس بسام برغوت