حديث الجمعة_التوبة عزم وعودة

المهندس بسام برغوت
يُطلق مفهوم التوبة في اللغة على الرجوع، والعودة عن الشيء، وفي الاصطلاح الشرعي هي عبارة عن ندم يتبعه عزم وقصد بعدم الرجوع إلى الذنب مرة أخرى وارتكابه، وهي كذلك العودة عن الطريق المعوجّ إلى صراط الله المستقيم، ويلزم التوبة عزم وندم من أجل تحقيقها على الوجه الصادق المخلص لله تعالى، وهي ما تسمى بالتوبة النصوح التي أمر الله تعالى عباده بها، فقال: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ“ (سورة التحريم).
إن صحّة التوبة تتطلب أن يكون العبد صادقاً في توبته لربّه، ويظهر ذلك الصدق من خلال صدق القلب في التوجه لله، ثمّ صدق اللسان في التوبة، ويتبعه عمل الجوارح والأعضاء الدال على ذلك، ولذلك قال تعالى في محكم كتابه: “وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ“ (سورة البقرة). فطلب منهم الفعل بدخول الباب، وقول: حطّة، فكان الجزاء أن يغفر الله لهم، وهذا هو أعظم إحسان للعبد ثمّ سيزيده الله من إحسانه.
تنقسم التوبة إلى ثلاثة أنواع بحسب صدقها وإخلاص العبد فيها على النحو الآتي:
• التوبة الصحيحة: ان العبد الذي يرتكب ذنباً او معصية من المعاصي، ثم يتوجه إلى الله بالتوبة منها، تكون توبته في ذلك الحال صادقة.
• التوبة الأصح: وهي ما يقال لها ايضاً التوبة النصوح، ومنبعها القلب، فتجعل المعصية في قلب العبد مستقبحة لا يرغب بها، ومن ثمّ لا يفكر بها ولا تخطر على قلبه، وهي بمعنى آخر تنزيه القلب عن الذنوب.
• التوبة الفاسدة: وهي ما تكون بمجرد النطق بها في اللسان، مع قيام حبّ المعصية في قلب العبد ودوام التفكير فيها، مع امكانية العودة اليها.
يُشترط في التوبة الصحيحة إلى الله مجموعة من الشروط على النحو الآتي:
• الإخلاص في التوبة لله -عزّ وجل-.
• الاعتراف بالذنب والمعصية بين يدي الله.
• الندم على ما قام به في الماضي من الذنوب والمعاصي.
• العزم على عدم العودة إلى المعصية في المستقبل.
• إعادة الحقوق إلى أصحابها، في حال كانت الذنوب مرتبطة بالاعتداء على حقوق الخلق.
• أن تصدر من العبد في الوقت الذي يقبل الله فيه توبة من عبده.
للتوبة فضائل عظيمة، تعود على الإنسان بالخير في الدنيا والآخرة منها:
• محبة الله: يحظى التائب بمحبة الله تعالى.
تزكية النفس: أي طهارة النفس وتنقيتها من الآثام والخطايا، وعدم الوقوع في المعاصي، والندم على ما كان منها.
• سعة الرزق: وفي ذلك ذكر القرآن الكريم ما قاله النبي هود لقومه: “وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ” (سورة هود).
• رفع البلاء: وعد الله جل شأنه رفع البلاء عن عباده التائبين.
• جلب الراحة: تجلب التوبة الراحة النفسية للتائب وايضا الطمأنينة.
كما ان للتوبة المقبولة الصحيحة علامات كتيرة:
• (منها) أن يكون العبد بعد التوبة خيرا مما كان قبلها.
• (ومنها) أنه لا يزال الخوف مصاحبا له لا يأمن مكر الله طرفة عين، فخوفه المستمر من ربه يؤدي الى استقامة حاله، قال تعالى: “إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون“ (سورة فصلت)
(ومنها) انخلاع قلبه وتقطعه ندما وخوفا، وهذا على قدر عظم الجناية وصغرها، وهذا تأويل ابن عيينة لقوله تعالى: “لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم“ (سورة التوبة)، قال: تقطعها بالتوبة، ولا ريب أن الخوف الشديد من العقوبة العظيمة يوجب انصداع القلب وانخلاعه، وهذا هو تقطعه وهذه حقيقة التوبة، لأنه يتقطع قلبه حسرة على ما فرط منه وخوفا من سوء عاقبته.
ختاماً:
بيّن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أكمل التوبة وأصحّها حين دخل أحد الأعراب إلى المسجد، ثمّ قال على عجل: “اللهم إنّي أستغفرك وأتوب إليك”، ثمّ كبّر وبدأ الصلاة، فلما انتهى قال له عليّ عليه السلام: “إن سرعة اللسان بالاستغفار هي توبة الكذابين، وتوبتك تحتاج إلى توبة”. فسأله الرجل عن التوبة، فقال عليّ كرّم الله وجهه واصفاً التوبة: هي الندم على ما فات من الذنوب التي وقعت في الماضي، وإعادة الفرائض التي فاتت، وردّ المظالم إلى أهلها، وانسجام القلب في الطاعة كما كان منسجماً في المعصية، وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما كانت متذوقة لحلاوة المعصية، والبكاء بين يدي الله بدلاً من الضحك الذي كان في المعصية.
إن الله يغفر الذنوب، ويقبل التائبين، ويقيل عثرات المذنبين، فلا يقنط أحد من رحمة الله تعالى، مهما بلغت ذنوبه، فرحمة الله وسعت كل شئ، وهو الذي يغفر ويقبل توبة من تاب.
المهندس بسام برغوت