المهندس بسام برغوت
التفكر هو عمل قلبي مأخوذ من الفِكر والتأمل، وهو من العبادات التي تحتاج إلى إعمال العقل في الوصول إلى نتيجة معينة، وقد حثت آيات القرآن الكريم على النظر في خلق الله، والتفكر في آيات الكون، وذمت كل من يعرض عن التدبر، والنظر في عظمة الخلق، قال تعالى: “وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ“ (سورة يوسف)، كل ذلك ليبقى الإنسان متيًقظا، ويزداد إيماناً وتثبيتاً في القلب.
التفكر، هو التدبر والاعتبار، وقيل هو عبادة تمارس بالقلب وتشترك فيها العين.
والتفكر: هو دراسة الأشياء وتحليلها، ومن ثم ربطها بالحقائق الموضوعية، بما يتناسب والعقل والمنطق الصحيحين، وبالتالي يتوافق ويتطابق مع العلوم الصحيحة على اختلافها، قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “لا عبادة كالتفكر، تفكر ساعة خير من عبادة ستين عاماً”.
وردت الكثير من النصوص القرآنية الحاثَّة على التفكر منها:
● قوله جل وعلا: “قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعمى وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ“ (سورة الأنعام).
● وقوله تعالى: “أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِم ۗ مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ“ (سورة الروم).
● وقوله عز وجل: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ“ (سورة الروم).
● وقوله سبحانه: “اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ“ (سورة الزمر).
وللتفكر فوائد كثيرة تعود بالخير على الانسان والمجتمع في الدنيا والآخرة ومن ذلك:
● زيادة اليقين بالله وخشيته وتعظيمه، وكلما كان أكثر تفكراً كان أكثر خشية من الله تعالى.
● التفكر سبب في إدراك حقائق الأشياء، وهو أفضل أعمال القلب وأصل الطاعات.
● مدح الله عز وجل عباده الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض، لأن فيه قرب منه سبحانه.
● فيه يقظة الأمة والنهوض بها، وكثرة الاعتبار من أخبار الأمم السابقة، من خلال النظر إلى ما حلَّ بهم.
لقد اندثرت للأسف عبادة التفكر، وقل من يمارسها الآن، بالرغم من أن جميع الانبياء فعلها وواظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت حياته حياة تفكر وتعبد لله.
قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: حبب إليه الخلاء أي عبادة التأمل والتفكر في مخلوقات الله، وقال صلى الله عليه وسلم: “أعطوا أعينكم حظها من العبادة فقالوا: يا رسول الله وما حظها من العبادة؟ قال: النظر في المصحف والتفكر فيه والاعتبار عند عجائبه“.
لايخفى على صاحب البصيرة أن التفكر مفتاح الأنوار، ومبدأ الاستبصار، وقد مدح الله تعالى المتفكرين في كتابه بقوله: “إِنّ فِي خَلقِ السّمَاوَاتِ وَالأرضِ وَاختِلاَفِ اللّيلِ وَالنّهَارِ لآيات لأولي الألبَابِ،الّذِينَ يَذكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِم وَيَتَفَكّرُونَ فِي خَلقِ السّمَاوَاتِ وَالأرضِ ربنا مَا خَلَقتَ هَذا بَاطِلاً سُبحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النّارِ” (سورة آل عمران).
وينبغي ألا يصل التفكر إلى حد الخروج عما لم يحط به الإنسان بعلمه أو الخروج عما لاينبني تحته علم أو تصور، أو تصور أمور لايمكن تصورها لأنها لاتخضع لقياسنا.
فعلى الإنسان إذاً أن يقيس ما يعرفه من خلق الإنسان بما لا يعرفه، ثم يعالج شكه باليقين، فلا يسترسل مع وساوس الشيطان، بل يظل باحثاً عن الحقيقة حتى يكتشفها، ومن هنا جاء الخطاب الإلهي الكريم للنظر والتفكر في خلق الله، ودراسة الظواهر المختلفة، لأننا كلنا مسؤولون عن معرفة الحقيقة والوصول إلى درجة اليقين، فإلى جانب البصر ينبغي أن يعمل الإنسان بصيرته أيضاً، وإن علم الله لا يحيط به أحد من خلقه، وإن كل ما يتوصل إليه من العلم فهو لا يخرج عن خلق الله وقدرته العظيمة الشأن، وبذلك يزداد العاقل إيماناً بربه وأنه خلق ويخلق ما لا نعلم ويعلّم الإنسان ما لم يعلم.
للتفكر غايات أرادها الإسلام من عباده، أعظمها توظيف العقل في النظر والتمعن والوصول إلى حقيقة الأشياء ومعرفة الله تعالى وصفاته وكماله وشمول علمه والإبداع في خلقه وهداية الإنسان إلى سنن الحياة ومعرفة أسباب وجوده، فهي وسيلة القرآن الكريم للدلالة على وجود الله وقدرته، لقوله تعالى: “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ” (سورة آل عمران).
ختاماً،
إن التفكر أو التدبر في آيات الله من العبادات التي دعا إليها القرآن والسنة النبوية والسلف الصالح، إذ إنها من أولى العبادات الموصلة إلى الارتقاء بالمستوى الإيماني للمسلم المعاصر، ورغم ذلك هجرها الكثيرون مما سبب خللاً في الوعي الإسلامي، إذ أصبحنا نهتم بأمور هي دون عبادة التفكر في الاعتبار الشرعي والفائدة المرجوة.
المهندس بسام برغوت