حديث الجمعة _ “﴿وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا﴾”

المهندس بسام برغوت

الاتحاد هو أحد المبادئ الجوهرية التي يقوم عليها الإسلام، وهو السبيل إلى تحقيق القوة والتماسك بين أفراد الأمة. يحث الإسلام على الاتحاد ونبذ التفرقة والاختلاف، لما في ذلك من خير للمجتمع ككل، فالإسلام دين جماعي بطبيعته يدعو إلى التعاون والتآزر في كافة المجالات. في هذا المقال، سنتناول مفهوم الاتحاد في الإسلام، أهميته، الطرق التي يمكن من خلالها تحقيقه، وأبرز الأمثلة من تاريخ الأمة الإسلامية.

يعني الاتحاد في الإسلام التآلف والتماسك بين أفراد الأمة الإسلامية، بحيث يعملون معًا لتحقيق الأهداف المشتركة التي تخدم مصلحتهم الدينية والدنيوية.

وعبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بأنهم كالجسد الواحد فقال: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”. هذا التشبيه يبرز أن الاتحاد بين المسلمين ليس مجرد خيار، بل هو واجب ديني واجتماعي.

كما يحمل الاتحاد في الإسلام  أهمية عظيمة لأنه الأساس الذي يُبنى عليه المجتمع الإسلامي القوي والمستقر، ويساهم في تحقيق العديد من الفوائد التي تشمل:

  • تعزيز القوة والمناعة: عندما يكون المسلمون متحدين، فإنهم يصبحون أكثر قوة في مواجهة التحديات والصعوبات، سواء كانت داخلية أو خارجية.
  • تحقيق السلام والاستقرار: الاتحاد يساهم في تعزيز المحبة والسلام بين أفراد المجتمع، مما يقلل من النزاعات والخلافات.
  • تحقيق العدل والمساواة: الاتحاد يجعل من الممكن تطبيق مبادئ العدل والمساواة بين الجميع.
  • تحقيق التقدم والازدهار: الاتحاد يساعد في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال العمل الجماعي.

أكد القرآن الكريم والسنة النبوية على أهمية الاتحاد، قال الله تعالى في محكم كتابه: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا” (سورة آل عمران)، وهذه دعوة صريحة للمسلمين للتمسك بوحدتهم ونبذ كل أسباب الفُرقة، التي حذرنا الله منها بل وأضح لنا أن النزاعات والتمزق هي أولى خطوات الفشل، قال الله تعالى: “وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ” (سورة الأنفال). كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “عليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية”، مما يؤكد أهمية الجماعة في حفظ الفرد والمجتمع.

لتحقيق الاتحاد بين المسلمين، يمكن اتباع العديد من الوسائل التي تتماشى مع تعاليم الإسلام:

  • التمسك بالدين: الالتزام بأوامر الله ونواهيه والعمل على تطبيق تعاليم الإسلام في الحياة اليومية يعزز من الوحدة بين المسلمين.
  • التسامح ونبذ الخلافات: التسامح مع الآخرين وتجنب التعصب والتمسك بالخلافات من أهم العوامل التي تحقق الوحدة.
  • تعزيز الحوار والتفاهم: بناء قنوات للتواصل والحوار بين المسلمين يساعد في تقوية العلاقات بينهم.
  • التعاون في الخير: العمل الجماعي في الأعمال الخيرية والمشاريع التنموية يعزز من روح التعاون والتآزر.
  • تعزيز مفهوم الأمة الواحدة: يجب غرس فكرة أن المسلمين ينتمون لأمة واحدة تجمعهم عقيدة واحدة ومصير مشترك.

في الاتحاد قوة وفي التفرقة ضعف، هذا مثل نسمعه كثيرًا، فمنا من يمر عليه مرور الكرام، ومنا من يتأمله جيدًا؛ ليكتشف خفايا معانيه، فالاتحاد قوة يعني أنّ كل قوة تكون ضعيفةً إن لم تتوحد الجهود، والضعف هلاك وانقسام، لا يقوى عليه إلا الاتحاد، فهو شجرة ذات فروع وجذور وأصول ممتدة، والاتحاد قوة يعني أنّ الاتحاد مشاورة ومؤازرة واحترام، يضمن قوة المجتمع، ويُسهل حياة الناس، ويخلق بيئةً ومجتمعًا صحيًا تسوده العدالة والحكمة والأخلاق العالية، ويعود بالخير والنفع على الأفراد.

 يقدم الاسلام العديد من الأمثلة العملية على أهمية الاتحاد، ومنها:

  • صلاة الجماعة: تعتبر من أبرز صور الاتحاد، حيث يجتمع المسلمون خمس مرات يوميًا في صفوف متساوية، بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية أو الاقتصادية.
  • الحج: الحج يُعد نموذجًا رائعًا للوحدة الإسلامية، حيث يجتمع المسلمون من جميع أنحاء العالم في مكان واحد بلباس واحد، متساوين في العبادة والهدف.
  • الغزوات الإسلامية: الغزوات التي قادها النبي صلى الله عليه وسلم مثل غزوة بدر وأحد تظهر أهمية الاتحاد بين المسلمين لتحقيق النصر.
  • الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين: في هذا العهد، كانت الوحدة بين المسلمين سببًا رئيسيًا في تحقيق الإنجازات الكبيرة ونشر الإسلام.

وبالرغم من أهمية الاتحاد، إلا أن هناك بعض العوامل التي يمكن أن تعوق تحقيقه، مثل:

التعصب والتفرقة: التعصب للمذهب أو القبيلة أو العرق يؤدي إلى تفكك المجتمع.

الاختلافات السياسية: النزاعات السياسية بين الدول الإسلامية قد تضعف الاتحاد.

ضعف الوعي بالدين: الابتعاد عن تعاليم الإسلام يؤدي إلى انتشار الفرقة.

عندما يتحقق الاتحاد في المجتمع الإسلامي، فإنه يؤدي إلى نتائج إيجابية كبيرة، منها:

  • تقوية العلاقات الاجتماعية: الاتحاد يعزز من المحبة والتفاهم بين الناس.
  • زيادة الإنتاجية: العمل الجماعي يجعل الأفراد أكثر كفاءة وإنتاجية.
  • تحقيق الأمن والاستقرار: الوحدة تقلل من الصراعات وتزيد من الأمن.

ختاماً،

الاتحاد هو من القيم الأساسية في الإسلام، وهو الوسيلة التي يمكن من خلالها بناء مجتمع قوي ومتماسك. من خلال التمسك بتعاليم الإسلام والعمل على تعزيز الوحدة بين المسلمين، يمكننا تحقيق العديد من الإنجازات التي تخدم الإنسانية ككل. يقول الله تعالى: “إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” (سورة الأنبياء). فلنعمل جميعًا على تحقيق هذه الوحدة وتعزيزها في حياتنا اليومية.

المهندس بسام برغوت