حديث الجمعة _ “انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق”

المهندس بسام برغوت

الأخلاق في الإسلام: جوهر الدين وأساس المجتمع.

تُعد الأخلاق في الإسلام ركيزة أساسية في بناء شخصية المسلم والمجتمع بأسره، فهي ليست مجرد سلوكيات فردية، بل هي جزء من العقيدة والتشريع. وقد حثّ الإسلام على التمسك بالأخلاق الحسنة في جميع جوانب الحياة، سواء في التعامل مع الآخرين أو في العلاقة بين العبد وربه.

يحتلّ الخُلُق مكانة رفيعة في الإسلام، حتى إن النبي محمداً وصف مهمته بقوله: “إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق”. وهذا يدل على أن الأخلاق ليست مسألة ثانوية، بل هي من أهم مقاصد الرسالة الإسلامية. كما أن القرآن الكريم أثنى على أخلاق النبي بقوله: “وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ” (سورة القلم).

تناول القرآن الكريم والسنة النبوية العديد من الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها المسلم، ومن أهمها:

  • الصدق: وهو أساس الثقة بين الناس، وقد قال النبي : “عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة”.
  • الأمانة: وتشمل حفظ الحقوق وعدم الخيانة، وقد قال الله تعالى: “إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا” (سورة النساء).
  • الرحمة: وهي خلق نبيل يتجلى في معاملة الناس بلطف، وقد قال : “الراحمون يرحمهم الرحمن”.
  • التواضع: وهو ضد الكِبر، وقد قال النبي : “وما تواضع أحد لله إلا رفعه”.
  • العدل: وهو إعطاء كل ذي حق حقه، قال الله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ” (سورة النحل).
  • الصبر: وهو من أعظم الأخلاق التي تساعد الإنسان على تجاوز المحن، قال الله تعالى: “وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ” (سورة البقرة).
  • العفو والتسامح: وهما أساس التعامل الراقي، قال الله تعالى: “فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ” (سورة آل عمران).
  • بر الوالدين: وهو من أعظم الأخلاق التي أوصى بها الإسلام، قال الله تعالى: “وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” (سورة الإسراء).
  • إكرام الضيف: وهو من الصفات التي تميز المسلم الحق، فقد قال النبي : “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه”.
  • حسن المعاملة مع الجيران: فقد أوصى النبي بالجار، وقال: “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه”.

تنعكس الأخلاق الإسلامية على استقرار المجتمع وتقدّمه، حيث إنها تعزز روح التعاون والاحترام بين الناس، وتقلل من النزاعات والجرائم. فالمجتمع الذي يسوده الصدق والأمانة والتسامح يكون أكثر استقرارًا وترابطًا. كما أن الأخلاق تؤثر على صورة الأمة الإسلامية بين الأمم الأخرى، فإذا كان المسلمون يتحلون بالأخلاق الحميدة، فإن ذلك يكون وسيلة فعالة للدعوة إلى الإسلام بالحسنى.

تمتاز الأخلاق الإسلامية بمجموعة من الخصائص، هي على النحو التالي:

  • ربانية المصدر: فهي تعتمد على كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
  • شاملة ومتكاملة: فهي تشمل جميع جوانب الحياة، وكلها تتكامل مع بعضها البعض.
  • صالحة لكل زمان ومكان: وذلك لأنها تتميز باليسر ورفع الحرج عن الناس.
  • موافقة للعقل والوجدان والشعور: وذلك لأنّ العقل يقتنع بها والقلب يرتضيها.
  • تعظيم شعور الرقابة الدينية لدى المسلم: فيصبح مراقباً لله في كل أحواله، حريصاً على أن يكون حسن الخلق مع الناس.
  • الالتزام بمقتضى الأخلاق مطلوب في الوسائل والغايات: فلا يجوز الوصول إلى الغاية الشريفة بالوسيلة الخاطئة.

كما يمكن للمسلم أن يعزز أخلاقه من خلال عدة وسائل، منها:

  • التفكر في العواقب، حيث يدرك الإنسان أن حسن الخلق يقود إلى محبة الناس ورضا الله
  • المداومة على الدعاء، فقد كان النبي يدعو: “اللهم كما حسّنت خَلقي فحسّن خُلقي”
  • التدرب على التحلي بالأخلاق، فالمداومة على الصبر والتسامح تجعلهما جزءًا من شخصية الإنسان.
  • لا تقتصر الأخلاق على العلاقات الفردية، بل تمتد إلى العلاقات بين الدول والمجتمعات. فالإسلام يدعو إلى السلام والعدل حتى في الحروب، ويحث على احترام العهود والمواثيق، قال الله تعالى: “وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا” (سورة الإسراء).

ختاماً،  لا يُقاس الإنسان بماله أو منصبه، بل بأخلاقه وسلوكه. فقد قال النبي : “إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا”. كما أن الأخلاق الحسنة هي سبب في رفعة الإنسان عند الله، فقد قال : “إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم”. فالأخلاق في الإسلام ليست مجرد نظريات، بل هي سلوك عملي يؤثر على حياة الفرد والمجتمع. لذلك، يجب على كل مسلم أن يسعى للتحلي بالأخلاق الفاضلة، اقتداءً بالنبي وامتثالًا لتعاليم الإسلام، لأن الأخلاق هي مفتاح النجاح في الدنيا والآخرة. فالمجتمع الذي يسوده حسن الخلق هو مجتمع قوي ومتماسك، يعكس القيم الإسلامية السامية التي تدعو إلى المحبة والتسامح والتعاون.

المهندس بسام برغوت