المهندس بسام برغوت
يقول الله تعالى في محكم كتابه:
«وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» (سورة الحج).
الحج أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو الركن الخامس، وأساسٌ في العبادات، ويأتي الحج في الأهميّة بعد شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان المبارك، ومن ثم يأتي الحج، والحج فرضٌ لمن استطاع إليه سبيلاً، وفيه من الأجر العظيم، والمنافع الكثيرة في الدنيا والآخرة، فمن يذهب لأداء فريضة الحج، يعود كمن ولدته أمه، نقيّاً من الذنوب والخطايا.
فرض الله سبحانه وتعالى الحج في أيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، هذه الأيام العظيمة التي أقسم الله سبحانه وتعالى بلياليها بقوله جلّ وعلا في القران الكريم «وَالْفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ» (سورة الفجر)، فكل ما يتعلق بالحج يعتبر من الأمور العظيمة المقدسة التي تقرب إلى الله تعالى، حيث يُصادف اليوم التاسع من ذي الحجة يوم وقفة عرفات، اليوم الذي يستجيب الله تعالى فيه لعباده، فيمنحهم من خيري الدنيا والآخرة، وفي اليوم التالي الذي يلي يوم عرفة العظيم، وهو يوم عيد الأضحى المبارك، وهو أوّل أيام التشريق في الحج، حيث يبدأ الفرح بذبح الأضحيات وإعلان مظاهر التعبير عن العيد المبارك.
ثبت في النصوص الشرعية كثير من الادلة التي تبين فضائل الحج، والثواب المترتب على أداء مناسكه، ومن ذلك:
اعتبارها من أعظم الأعمال والعبادات: وأحبّها إلى الله، ويدل على ذلك ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله عندما سئل: «أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟ فَقالَ: إيمَانٌ باللَّهِ ورَسولِهِ. قيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قالَ: الجِهَادُ في سَبيلِ اللَّهِ قيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ».
نَيْل الأجر العظيم المُترتّب على أدائه: فهو من أعظم أسباب تحصيل الأُجور والحَسَنات، وتكفير الذنوب والخطايا، كما أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه أنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام قال: «العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ»، وقال أيضاً: «تابِعوا بين الحجِّ والعمرة؛ فإنَّ متابعةً بينَهُما تَنفِي الفقرَ والذنوبَ، كما ينفِي الكِيرُ خَبَثَ الحديدِ».
يُعرَّف الإحرام في الحج بأنّه: نيّة الدخول في نُسك الحجّ، أو العُمرة، ويتحقّق من الميقات المُحدَّد شَرعاً، ويُمكن للمسلم الذي يقصد الحجّ إلى بيت الله الحرام أن يعقدَ النيّة لذلك بثلاث صورٍ مُتنوّعةٍ؛ فإمّا أن يُفرد النيّة في الحجّ، أو يَقرنها مع العُمرة، أو يعقدَها لأداء العُمرة ثمّ الحجّ.
تتعدد انواع الاحرام في الحج، وفيما يلي بيان كلٍّ منها:
الصورة الأولى: الإفراد بالحج ويكون بعَقد النيّة على الحجّ فقط، وأداء مناسكه، وأعماله، فيقول الحاجّ: «لبّيك اللهمّ بحجٍّ».
الصورة الثانية: القِران بالحج ويكون بعقد النيّة على أداء أعمال العُمرة والحج معاً، بقَوْل: «لبّيك اللهمّ حجّاً وعُمرةً»، بأداء نُسكٍ واحدٍ، أو بإدخال فريضة الحجّ على العُمرة قبل الطواف، ويكفي عند جمهور بعض العلماء الطواف والسَّعي مرّةً واحدةً عن الحجّ والعُمرة، بينما اكتفى علماء اخرون بالطواف والسعي مرتين ؛ مرّةً عن الحجّ، وأخرى عن العُمرة، مع اتّفاقهم على وجوب تقديم الهَدْي على الحاجّ القارن والله اعلم.
الصورة الثالثة: التمتُّع بالعُمرة إلى الحج وتكون بعَقْد النيّة على أداء مناسك العُمرة أولاً، ثمّ أداء مناسك فريضة الحجّ؛ فيبدأ المُحرم بالعُمرة، ويُنهي مناسكها في أشهر الحجّ، ثمّ يتحلّل من عُمرته، ويمكث في مكّة وهو مُتحلّلٌ من إحرامه إلى أن يحين وقت الحجّ، فيُحرم به، ويُؤدّي أعماله، ونُسكه، على أن يكون ذلك في عامٍ واحدٍ، كما أجمع العلماء أيضاً على وجوب الهَدْي في حقّ الحاجّ المُتمتِّع.
اما اداب الحج فعديدة وفيما يأتي بيان بعض منها:
الصورة الاولى: المُبادرة إلى التحلُّل من مَظالم العباد مع الحرص على سداد الديون، وإبراء الذمّة، ورَدّ الحقوق والأمانات إلى أصحابها، وتوديع الأهل والأصحاب مع سؤالهم الدعاء بالقبول.
الصورة الثانية: التزوُّد بالمال والزّاد بما يكفي سَدّ الحاجات، مع إمكانيّة التصدُّق على ذَوي الحاجة. اصطحاب الرفقة الصالحة في رحلة الحج.
ختاماً، وردت تسميات لايام يرددها الناس اثناء تأديتهم فريضة الحج، وفيما يلي الأسباب التي دعت إلى تسمية كل منها بهذا الاسم:
يوم التروية: هو اليوم الثامن من ذي الحجة، وسمي بذلك لأن الناس فيما سبق إذا أرادوا الخروج من مكة إلى منى في اليوم الثامن، يتروون الماء- أي يحملونه- معهم من مكة؛ لأن منى في ذلك الوقت لم يكن بها ماء.
يوم عرفة: هو التاسع من ذي الحجة، وقد سمي بذلك لوقوف الحجاج بعرفة في ذلك اليوم.
يوم النحر: هو اليوم العاشر من ذي الحجة، وسمي بذلك لنحر الهدي والأضاحي.
يوم القر: هو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة، وسمي بذلك لاستقرار الحجيج بمنى.
يوم النفير الأول: هو الثاني عشر من ذي الحجة، وسمي بذلك لمغادرة المتعجلين بعد الرمي.
يوم النفير الثاني: هو الثالث عشر من ذي الحجة.
أيام التشريق: هي الأيام الثلاثة بعد يوم النحر، وهي ايام الحادي عشر, والثاني عشر, والثالث عشر من شهر ذي الحجة، وسميت بذلك لأن الناس كانوا يشرّقون فيها اللحم في الشّمس وقال ابن الأعرابيّ سُمِّيَت بذلك لأن الهَدْي لا يُذْبح حتى تشرق الشّمس.
المهندس بسام برغوت