المهندس بسام برغوت
عندما خلق الله سبحانه وتعالى الكون، جعل كلُّ شيءٍ فيه منظّم ومرسوم ومنسّق، وحدّد لكل مخلوقٍ في الحياة دوره الذي يليق به، إذ تعتبر أهمّ علاقة في الحياة هي علاقة البشر ببعضهم البعض، وتحديدًا حقوق الراعي والرعيّة، إذ إنّ الرّاعي هو المسؤول عن جمع الرعيّة تحت ظلّه وقيادتهم والحفاظ على تآلفهم وترابطهم، كما تقع عليه مسؤولية الدفاع عن حقوق الرعيّة، وفي المقابل على الرعيّة أن يُطيعوه ويكونوا صفًّا واحدًا خلفه؛ وذلك لأنّ طاعتهم له تعني أنّ الركب سيسير بكلّ تآلف وخلافُ ذلك سينشأ عنه الكثير من الخلافات والمشكلات.
إنّ الراعي مسؤولٌ أمام الله تعالى، حيث إنّه مكلفٌ برعاية الناس وقضاء حوائجهم، والرّاعي هنا يشمل جميع من هم مكلّفون برعاية الآخرين، فالأم راعية في بيتها، والأب راعٍ في بيته، ومدير العمل راعٍ في عمله، لذلك من حقّ الراعي على رعيته أن يُطيعوه وأن لا يخرجوا عليه وأن ينصروه ويقدّمون له النصحية الصادقة التي تُفيده.
إنّ لحقوق الراعي والرعية أهميةً عظيمةً يجب أن ننتبه إليها كي نمنح كل ذي حقٍ حقه، وتنبع أهميتها من أنّها تحفظ توازن المجتمع وتُهيئ الحياة فيه، كي تكون حياةً أقرب للمثالية ليس فيها ظلم أو تجنّي، ومعرفة هذه الحقوق يجعل الجميع يشعرون بالأمان والطمأنينة لثقتهم التامة بأنّ حقوقهم مصانة، ولن تضيع خاصةً إذا حافظ الجميع عليها.
كما أنّ حقوق الراعي والرعية ليست مجرد كلمات تُقال ولا جمل تُعاد وتُكرر دون تنفيذ، بل هي أولويات ضرورية لبناء الشخصية المجتمعية التي ترتكز في الأساس على جملة من الحقوق والواجبات، والتي لا يجوز التغاضي عنها، فالإسلام بوصفه دينَا إلهيَا منزهَا أمر بأن يكون لحقوق الراعي والرعية اهتمام بالغ وأن تُؤدى الحقوق والواجبات على أكمل وجه؛ كي يعيش المجتمع بسعادة ورخاء ودون تحيز لفئة دون غيرها. لهذا من واجب المجتمع أن يُعزز في أفراده انتماءً كبيرًا جدًا تجاه تأدية الواجبات وأخذ الحقوق؛ كي يعيش الجميع بسعادة وهناء وينعمون ببيئة صحية نقية من الحقد والضغائن وكل ما هو سيئ.
من حقوق الراعي
الاقرار بولايته وانه هو المسؤول : ان هذا الاقرار يتطلب من المرعي التقيد بأوامر واحكام الراعي.
الاستجابة لأوامره في المعروف ظاهراً وباطناً: ان من حق الرعاة ان تُطيعهم رعيتهم في المعروف، علماً أنّ هذه الطاعة تقف عند حد إغضاب الله، أو التعدي على حقوق الآخرين.
النُصح له وتبيين الحقّ بلُطفٍ: يحقّ للولاة أن تنصحهم رعيتهم بفعل الحق بأسلوبٍ لينٍ لطيفٍ، مع تنبيهه إلى الأمور التي قد يغفل عنها في بعض الأحيان.
تأليف القلوب على طاعته: على الرعية أن يؤلفوا قلوب بعضهم البعض على طاعة الراعي؛ ضماناً لاستجابة الناس لأوامره.
توقير مكانته وقدره: على الرعية أن يوقّروا الراعي في نفوسهم ويحترموه؛ لمكانته التي مُنحت له.
إعانته على الخير: يجب على الرعية أن تُعين راعيها على الخير، وعلى القيام بالأعمال الصالحة التي وكّله الله بها، والعمل على تيسير أموره، وتمكينه من النجاح، علماً أنّ هذا العون يعتبر من سبل التقرب إلى الله.
اما حقوق الرعية فتتمثل
الحكم بينهم بشرع الله: يحقّ للرعية أن يحكم بينهم الراعي بما أمر به الله -سبحانه- في كتابه، وألّا يحيد عن شرع الله.
النُصح: يجب على الراعي أن ينصح رعيته على القيام بما فيه خيرها وصلاحها، وأن ينصحهم بسلوك طريق الخير إن ابتعدوا عنه.
الرفق والرأفة: يجب على الراعي أن يرأف بحال رعيته، وأن يرفق بهم، وألّا يكلّفهم فوق طاقتهم، وألّا يطلب منهم ما لا يستطيعون فعله.
إقامة العدل: يجب على الراعي أن يُقيم العدل بين رعيته، وألّا يميل لأحدٍ على حساب أحدٍ؛ لأنّ ذلك من شأنه أن يخلق النزاع والشقاق بينهم.
ختاماً،
يُرشد النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم إلى وجوب القيام بحقوق الرعية، وهدايتهم لتحقيق مصالحهم الدينية والدنيوية، وإبعادهم عمّا يضرهم في أمور الدين والدنيا، فكلّ شخص مسئول عن أمر يتدبره ويرعاه، ولقد ورد في الحديث النبوي الشريف: “ ألا كُلّكُم راعٍ . وكلّكُم مسئولٌ عن رعيّتهِ . فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ ، وهو مسئولٌ عن رعيّتهِ . والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتهِ ، وهو مسئولٌ عنهم . والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلِها وولدهِ ، وهيَ مسئُولَةٌ عنهُم . والعبدُ راعٍ على مالِ سيّدِهِ ، وهو مسئُولٌ عنهُ . ألا فكلُّكُم راعٍ . وكلكُم مسئولٌ عن رعيتهِ “ ، يجدر بالذكر أنّ الراعي الذي يرعى رعيته يلقى خير الثواب والجزاء من الله، أمّا من يُقصّر في رعيته، ويخون الأمانة، ويُضرّ بالأمة فإنّه يلقى العذاب والمقت من الله تعالى.، ويُشار إلى وجود علاقة قوية بين الراعي ورعيته، ويتمثّل هذا المفهوم بالحاكم وشعبه، والزوج وعائلته، ولذلك يجب على كلّ مسئول أن يُقوّي العلاقة بينه وبين رعيته، وذلك من أجل تقوية رابطة الأخوة بينهم، فلا مسؤولية مع الفرقة والاختلاف، ولا بدّ من التآخي بين الجميع، فهذا من شأنه أن يقود إلى النصر على الأعداء.
المهندس بسام برغوت