حديث الجمعة – «المعصية تمرد على شريعة الله»

بقلم المهندس بسام برغوت
يقول الله تعالى: “وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا“(سورة الجن).
تُطلق كلمة “المعصية“ في اللغةً على كل ما هو خلاف للطاعة، فإذا قيل؛ عصى العبد ربّه فقد خالف أمره. وتُطلق باللغة كذلك على ما هو خلاف للتقوى والاستقامة، وتعرّف المعصية في الاصطلاح الشرعي على مخالفة القواعد والثوابت والخروج عنها قصداً، أمّا العصاة فهم الذين فرّطوا في ارتكاب هذه الذنوب، وهم أهل الفسق الذين يخلطون الأعمال الصالحة بالفاسدة.
وبارتكاب المعاصي تتنزّل العقوبات، وتحلّ على العاصي، فقد تكون معصيةً من عمل يده، وقد تكون من فعل لسانه، فالمعاصي متعدّدةٌ وكثيرةٌ منها الكبائر، ومنها الصغائر، ومن الأمثلة على ذلك: عقوق الوالدين، والتّكاسل عن أداء الصّلاة، وغيرها من الذنوب، لذلك على المسلم أن يحذر من ارتكاب المعاصي والذّنوب، وأن يجدّد توبته إلى الله تعالى.
للمعاصي والذّنوب التي يرتكبها الإنسان الكثير من الآثار السّيئة في الدّنيا والآخرة، فمنها ما يعود على العاصي نفسه، ومنها ما يعود على المجتمع بأكمله، من ذلك مثلاً:
الذّكر السّيئ للعاصي بين النّاس، فلا يعود له بين الناس كرامة او احترام.
الشّعور بالخوف والقلق الدّائم. الطبع على القلب، فيصبح القلب في غشاوة وغلاف من الذنوب.
عدم التمكّن من تحصيل العلم المفيد،ومن يحرم من العلم يعيش بلا هدفٍ، ويسير على غير هدى.
الوحشة في قلب الإنسان الغارق في الذّنوب والمعاصي، فيشعر بالبعد عن الله تعالى، والبعد عن الصّالحين والأتقياء، وإذا حصلت هذه الوحشة فإن من الصّعب إزالتها، حتّى لو حصل الإنسان على كلّ ما يشتهيه في الدّنيا.
قلّة البركة، فالذّنوب تمحق البركة من العمر ومن شتّى مناحي الحياة، فينقضي عمر الإنسان وأيامه دون أن يشعر بذلك.
الاستهانة في ارتكاب المعاصي، وذلك عند الإكثار من ارتكاب المعاصي، فيصبح الأمر اعتياديّ على العاصي، ولا يشعر حينها بخطورة ارتكابها، ويزداد في عمله للمعاصي وهو غير مهتمٍّ ولا مبالٍ بما يفعل.
عدم الغيرة وانطفائها في القلب، فلا يغار على نفسه، ولا على أهله، ولا على ما يمكن أن يؤذي النّاس ويهينهم ويذلّهم، أو ما يضرّ بدين الله تعالى، ويحول دون إعلاء كلمته سبحانه.
انعدام الحياء، فيزداد ارتكاب الإنسان للذنوب دون أن يشعر بحياءٍ من الله تعالى، أو يشعر بخجلٍ من النّاس.
فتور الهمّة، فتذهب عزيمة الإنسان ورغبته في أداء الطّاعات، ويصبح متثاقلاً ومجبراً بالإكراه على فعل العبادات.
عدم تيسير الأمور، فإنّ صاحب الذّنب يجد أنّ حياته تسير عكس ما يريد، ولا يلمس أيّ جانبٍ من التّوفيق والتّيسير، بل على العكس من ذلك، كلّما أراد أمراً تعسّر عليه، ووجد صعوبةً بالغةً في تحقيقه.
الفقر وقلة الرزق، فكما أن الطاعات تجلب الخير والبركة، فإن المعاصي والذنوب تُبعد الرزق وتجلب الفاقة والفقر.
نزول المصائب، كعدم استجابة الدّعاء، وسوء الخاتمة.
ويشمل الأمر والطاعة في الشريعة مجموعة من الطاعات نأتي على ذكر بعضها على النحو التالي:
طاعة الله عزّ وجلّ التي فرضها على كل مسلم مكلّف، فقال: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ“ (سورة محمد)، ثمّ ما أمر به اليهود والنصارى من ترك ما يعبدون من دونه، فهو وحده المستحق للعبادة.
طاعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيما أمر به وتصديقه، لقول الله تعالى: “يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا أَطيعُوا اللَّهَ وَرَسولَهُ وَلا تَوَلَّوا عَنهُ وَأَنتُم تَسمَعونَ“ (سورة الأنفال).
طاعة ولي الأمر وقد أجمع أهل العلم على وجوب طاعة أهل الحكم والسلطان، لقول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ” (سورة النساء).
طاعة العلماء وقد فسّر الكثير من المفسرين ومنهم ابن عباس وجابر بن عبد الله أن المقصود بأولي الأمر هم العلماء، وقد أوجبها الإسلام.
طاعة الوالدين وبرّهما والإحسان إليهم وقد فرضه الله وجعله مقروناً بعبادته وتوحيده، فقال: “وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا” (سورة الإسراء).
طاعة الزوج، وقد أوجبها الله على الزوجة وجعل القوامة للرجل على زوجته، فقال تعالى: “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ” (سورة النساء).
ختاماً، قسّم الفقهاء أنواع المعاصي ودرجاتها بحسب تفاوتها إلى ثلاث درجات وفق ما يأتي:
ما أوجب الإسلام فيه “العقوبة“ والحدّ مقترناً بوجوب الكفارة، وذلك مثل حدود السرقة، والقتل، والزنا، وتقتصر معاصي هذه الارتباكات على جرائم الحدود السبعة وجرائم القصاص والدية الخمس.
ما أوجب فيه الإسلام “الكفارة“ فقط دون الحدّ وذلك مثل معاشرة الزوجة في نهار رمضان، أو أثناء الإحرام للعمرة أو الحج.
ما لم يوجب الإسلام فيه “حدّ ولا كفارة“، ويدخل ضمن الأولى والثانية، ومن الأمثلة على ذلك؛ أكل الميتة، والشروع في السرقة، أو السرقة دون تحقيق شروط قيام الحد، وتقوم هذه المنظومة من العقوبات الرادعة على قاعدة حفظ سلامة المجتمع وامنه واستقراره.
المهندس بسام برغوت

التعليقات (0)
إضافة تعليق