المهندس بسام برغوت
أمر الله سبحانه وتعالى بالصَّفح الجميل، والصفح الجميل: هو الذي لا يَشتمِل على التسبُّب بالأذى، بل هو مقابلة الإساءة بالإحسان، ومقابلة الذنب بالغُفران، وهو الصفح الذي لا يرافقه أذىً قولاً او فعلاً.
الصفح كلمة مصدرها الفعل صفح، عندما يقال “ صَفَحَ عنه صَفْحًا “ فمعنى هذا أنّه أعرض عن ذنبه، والصَّفوح: هو الكريم؛ الذي يصفح عمن أساء إليه، وقد ورد عن بعض أهل العِلم أنّ الصَّفح اشتُّق من صَفْحة العُنق؛ حيث إنّ الذي يصفح كأنّه يُولي بصفحة العنق، ويُعرِض عن إساءة الغير، ويُقال: استَصفَحَ زيدٌ فلاناً؛ بمعنى طلب منه الصَّفح عنه، واستصفحه ذنْبَه: أي طلب منه مَغفِرته له، أو استغفره إياه، والصفح اصطِلاحاً: هو تَرْك التأنيب، وإزالة أثر الذَّنْب من النفس بشكل كامل.
اما العفو فهو خلق من الأخلاق الكريمة التي يحث الإسلام عليها عندما يتعرّض المسلم للسّوء أو الأذى من غيره فأنه لا يقابل الإساءة بالإساءة، وإنّما بالعفو والإحسان. فالعفو هو تجاوز الإساءة رغم استمرار أثرها؛ بمعنى أنّه قد يقول الإنسان لآخر اساء اليه اذهب فقد عفوت عنك ولكن من دون ازالة أثر الإساءة عن قلبه، وهذا الأمر يحدث كثيرًا في حالات القتل إذ قد يعفو الإنسان عن قاتل قريبه لكن يبقى أثر تلك الجريمة في قلبه. غير ان الاسلام يعلمنا ان الله تعالى يعفو عن الذّنوب جميعاً، فالعفو من صفات الله لقوله تعالى: “ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا “ ( سورة النساء )، اي ان الله قادر على العقاب ولكنه يقدم العفو على العقاب.
وردت مجموعة من الاحاديث النبوية الشريفة توضح ضرورة العفو وأهمية أن يتحلى به المسلم، ومن هذه الأحاديث:
- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ ما نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ، إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ “.
- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ ثلاثٌ والَّذي نفسي بيدِه إن كنتُ لَحالفًا عليهِنَّ: لا يَنقُصُ مالٌ من صدقةٍ، فتصدَّقوا، ولا يَعفو عبدٌ عن مظلِمةٍ؛ إلَّا زادَه اللهُ بِها عزًّا يومَ القيامةِ، ولا يفتَحُ عبدٌ بابَ مسألةٍ؛ إلَّا فتحَ اللهُ عليهِ بابَ فقرٍ”.
- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ ارحموا تُرحَموا، واغفروا يُغفَر لكم “.
للعفو والصفح فوائد انسانية كثيرة، منها:
- اعتبارهما سبباً لنيل محبَّة الله ورضاه.
- الشعور بالراحة النفسيّة.
- تحقيق المودَّة بين أفراد المُجتمَع الواحد.
- ارتفاع مكانة المرء في مجتمعه.
- زيادة طمأنينة النفس، وسكينتها.
- توثيق الروابط فيما بين الناس؛ حيث إنّ الروابط الاجتماعيّة تضعف، بسبب الرد على الإساءة بالاساءة، ومع العفو تنعاد العلاقات إلى شكلها الأفضل.
- امتثال أوامر الله سبحانه تعالى؛ لما في العفو والصفح له اثار عميقة على بناء مجتمعات محبة في الاسلام.
- نَيل التقوى، ويدلّ على ذلك قوله تعالى: “ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ” (سورة البقرة ) ؛ فبالعفو عن الإساءة، وبالكلمة الطيِّبة يجعل من العدو صديقاً.
- تليين القلوب القاسية ودفع المُذنب والمسيء الى الشعور بالندم على سوء تصرُّفه.
- غُفْران الله سبحانه وتعالى لذنوب من يعفو ويصفح عن الناس، حيث إنّه من عفا، عفا الله عنه، ومن صفح، صفح الله عنه.
إن التحلي بصفتي العفو والصفح له آثار كثيرة تنعكس على حياة المسلم ومجتمعه، نذكر منها:
- تبدد مشاعر العداوة بين الناس وتحولها إلى محبة وألفة.
- غفران الذنوب بالعفو والصفح يغفر الله الذنوب؛ وما أحوج المسلم إلى غفران الذنوب ونيل رضا الله تعالى.
- نيل المسلم العزة والشرف فبالعفو ينال المسلم حسن العاقبة، ومحبة الله والناس، وهو بذلك يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم.
- العفو من الله فالجزاء من جنس العمل؛ فمن يعفو يسامحه الله، ويعفو عنه في الدنيا والآخرة.
- راحة البال فمن يعرض عن العفو والصفح يبقى قلقاً، تراوده الهواجس للانتقام؛ وهو بذلك يبتعد عن عبادة الله، ويقع في الندم.
ختاماً، حثنا الله تعالى على العفو في عدد من الايات في القران الكريم على العفو والصفح بقوله جل شأنه: “ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ “ ( سورة الأعراف )، وفي قوله تعالى: “ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ “ (سورة البقرة ). كما امرنا بالصفح الجميل بقوله في القران الكريم: “فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ” (سورة الحجر ).
إنّ العفو والصفح لَفْظان متقاربان في المعنى، والفرق بنيهما بسيط، فالعفو هو التجاوُز عن الذَّنْب، والتخلي عن الانتقام، والعقاب، أمّا الصفح ففيه معنى العفو والسماحة وهي من الاخلاق السامية التي يدعو اليها الاسلام ويقوم عليها.
المهندس بسام برغوت