بقلم وليد الحسيني لم يخلق الله ولن يخلق أبرع منا في إضاعة الفرص.
غريبة، بل عجيبة، علاقة العرب بالفرص.
لقد أضعنا كل الفرص التي تبني، واقتنصنا كل الفرص التي تدمر.
أضعنا فرصة المد القومي أيام جمال عبد الناصر. فلم نحقق الوحدة التي كانت تشهد إجماعاً شعبياً وقيادة تاريخية. وبدل أن تتمدد الجمهورية العربية المتحدة، وتصل المحيط بالخليج، تآمرنا عليها إلى أن لفظت أنفاسها، فماتت معها أحلام الوحدة، واستيقظت الإقليمية، وسقطت العروبة في منصة الاستهزاء والتشفي.
ومن قبل ومن بعد، أضعنا فرصة الإسلام كرسالة حضارية، وقطعنا طريقه إلى الاعتدال، وشوّهنا صورته بممارسة الإرهاب والعنف، وأخذناه إلى التطرف، إلى حد قطع الرؤوس بالسيوف، وقتل الأبرياء بالأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة.
أضعنا، وما زلنا، الثروة القدرية الهائلة، التي أخرجها الله لنا من باطن الأرض، فأعدنا تخزينها في بطون الفساد.
لقد تصاعدت أسعار النفط وبلغت مداخيلنا العربية أرقاماً خيالية، لا دور لنا فيها سوى الدهشة، ولا حصة لنا فيها سوى العمولات.
اشترينا في عصرنا النفطي أسلحة بآلاف المليارات، وفي هذا الافتراض لا نبالغ. وكنا دائماً نحولها إلى خردة بسبب إحجامنا عن استعمالها في وجه العدو. وها نحن نشتري كل سلاح حديث ومتطور لنضيفه بعد سنوات إلى مستودعات الخردة العسكرية الهائلة، مبعثرين بذلك الثروة القدرية بين مصانع الغرب وسماسرة الشرق.
بنينا مدناً وأبراجاً في الصحاري الفارغة، التي يملكها أصحاب العقول الفارغة، محاكاة لنيويورك المكتظة بالناس والانتاج.
لم نحول السودان إلى مطعم العرب، بنيله المهدور وتربته العاطلة من العمل… بل حولناه إلى حرب همجية ومنسية من قبل ضمير العالم.
لم نحول مصر إلى دولة صناعية كبرى، ولا لبنان إلى معلم سياحي عالمي، ولا سوريا إلى خليط من الزراعة والصناعة والسياحة. ولم نعد بالعراق إلى أرض سواد أطعمت لزمن طويل الامبراطورية العباسية. ولم نستثمر في تونس الخضراء. ولم نكترث بطاقات المغرب المكبوتة. ولم نعن فلسطين على طرد المغتصب… لم نفعل سوى إضاعة الفرص.
لكننا، وباندفاع مستميت، اقتنصنا فرص الانتحار والدمار، وفتحنا لها خزائننا، ووضعنا في خدمتها ما نملكه من عبقريات الغدر والتطرف، وغرقنا بجنون في مخططاتها الجهنمية.
دمرنا ليبيا وسوريا. وها نحن نضع مصر على حافة الإفلاس. وها نحن نعرض اليمن لمحنة انفصال الجنوب الشرعي عن شماله الإرهابي.
هذه السياسات الغبية تؤكد انتسابنا إلى ملوك الأندلس الذين أعطاهم الله ملكاً لم يحافظوا عليه كالرجال.
لقد أعطانا الله الإسلام، فشوّهنا به صورتنا، وقد كان وسيلتنا إلى المفاخرة على الأمم بما منحنا من عدالة ورحمة وإنسانية.
ثم أعطانا الله النفط، فهدرنا ثروته في الفساد والخراب.
ترى هل يغفر الله لنا ما فعلناه؟.
وهل هو رحيم وغفور لهذه الدرجة؟.
إذا كان كذلك وغفر لنا وعفا عنا… فلمن أُعدت جهنم؟.
وليد الحسيني