بقلم وليد الحسيني
منذ أن عمّ الاستهزاء بالعروبة… ومنذ أن سفكنا دمها الناصري… ومنذ أن انحرفنا ببعثها العربي الإشتراكي… ومنذ أن رضينا بالإسلام بديلا… منذ ذلك وذلك وذلك، والمآسي تتوارثنا جيلاً بعد جيل.
العروبة لم تهجرنا… نحن من هجرها وهجّرها.
توهمناها سبباً للنكسات والهزائم والتخلف.
إعتبرناها مرضاً أصابنا بالوراثة.
تحت نظرها كانت نكبة فلسطين… وبقياداتها كانت نكسة حزيران.
كثيرون منا ندموا على قضاء سنوات الشباب قبالة نوافذها… يغني لها ويتغنى بأمجادها.
من منّا لم يغمرها بعيون الشعر، ويردد بحبها روائع الأناشيد.
ها هي قد رحلت.
لا أحد يدري إلى أين.
كل ما نعرفه أنها لم تعد بيننا… وأننا بغيابها سنغلق أبواب الريح ونستريح.
لم نعد، كما كنا في زمانها، نناضل من أجل وحدة تمتد «من المحيط الهادر… إلى الخليج الثائر».
بعدها بالكاد «نستشهد» في سوريا من أجل وحدة الرقة مع دير الزور… وحلب مع عفرين… وإدلب مع اللاذقية… والسويداء مع دمشق.
بعدها اليمن يمنان… وليبيا دولتان… والسودان سودانان… والعراق أعراق… ولبنان مذاهب شتى… وجامعة العرب دول مشتتة.
من دونها، بلغت الكراهية أشدها.
عندما استأصلنا حضورها، حضرت القاعدة وخرجت، من سلالتها سلالات داعش والنصرة… والآتي أدهش.
بغيابها، فقدنا الأصدقاء… وإن وجدوا، فهم ليسوا من فئة «الصديق وقت الضيق».
لا ندري لماذا يكرهنا الغرب، ونبادل كراهيته لنا بحبنا الأعمى له.
أميركا تمثل علينا دور الحامي لسيادتنا، وتمارس دور الحرامي لثرواتنا.
وتركيا تسعى لاستعادة سلطات سلطنتها، حاملة خنجرها العثماني العتيق، متحيّنة فرص الطعن في الظهر العربي.
دول عدم الإنحياز أصيبت بالصدأ… ونامت على صدى صوت عبد الناصر.
منظمة المؤتمر الإسلامي لم تعد تعرف من الإسلام سوى آداء «صلاة الميت».
لقد مرت عقود على ارتكابنا الخطأ التاريخي، بكسرنا «إناء العروبة»، الذي ما فرّق يوماً بين عربي وكردي، ولا بين مسيحي ومسلم.
مرت عقود على خيار «الإسلام هو الحل»… فكان أن انتشرت جرثومة المذهبية ولعنة الطائفية محيطاً وخليجاً… وعشنا بذلك أخطر ما واجهته الأمة العربية من أخطار، منذ الاستيطان العثماني في كل الوطن العربي، إلى الاستيطان الصهيوني في كل فلسطين.
ومن حق التاريخ علينا، بأننا وقد تخلينا كعرب عن وهم استعادة الخلافة العربية، التي حكمت، في قديم الزمان، بلاداً باسم الإسلام، أن نطالب إيران اليوم بالتخلي عن دورها الطموح والمستحيل بقيام امبراطورية فارسية، تحكم بلادنا أيضاً باسم الإسلام… فذاك زمان مضى… وهذا زمان لن يأتي.
نتمنى أن نجنح فعلاً ومعاً إلى السلم والإستقرار والأمان في المنطقة… وأن نذهب إلى القدس بالأفعال، لا بالأقوال… فقد قلنا وقلتم كثيراً… إلا أن فلسطين تحتاج إلى «فرق عسكرية» لا إلى «فرق كورال».
وليد الحسيني