جنبلاط: الحمد لله أن هناك صوت وطني عاقل مثل نهاد المشنوق (2)

بعد فترة صمت طويلة، عبّر وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق عن آرائه بالقضايا التي سُئل عنها، بموضوعية تامة، ومنطقية عُرِف بها… إذ عوّدنا في كلّ أحاديثه على الصراحة والحكمة والصدق، وهو يجيب بكل شفافية، إذ هو واثق من مواقفه، لا يخشى في الحق لومة لائم.

وهذا نص حواره في برنامج «صار الوقت» مع مرسال غانم في 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2024 من على شاشة الـMTV.

 

لكن رئيس الحكومة كان متفائلاً؟

يجب علينا ألا ننتصر بإسرائيل على أي لبناني ولا لحظة. لا يفكّر أحد للحظة أنّنا يمكن أن ننتصر بالاسرائيلي. حصلت هذه التجربة من قبل ونعرف نتائجها. حين انتصر لبنانون على لبنانيين آخرين بالسلاح الإسرائيلي. هذه تجربة يجب ألا تتكرّر وألا نسمح لها بمنطق الدولة ومنطق الوطنية ومنطق الأخلاق. ذلك يجب أن نعيد تكوين السلطة.

فمن سيعطي العماد جوزف عون هذا القرار؟ أين السلطة التي ستعطيه الحقّ؟ يجب انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة.

حكومة تصريف الأعمال اليوم لا يمكن أن تتّخذ هذا القرار؟

بالتأكيد لا يمكنها. عاجزة عن تعيين رئيس مصلحة فكيف بهذا القرار؟

بنشر الجيش؟

لا. نشر الجيش أمر طبيعي. أصلا يمكن نشره بموجب قانون الطوارئ. هذه مسألة وليس خلافية بين هذه الجهة أو تلك. لكن إعادة تكوين السلطة هي التي تعيد تكوين لبنان.

المجتمع الدولي لن يتعاطى مع لبنان على أنّه دولة مكتملة وطبيعية وصديقة وجزء من هذا المجتمع بدون استراتيجية دفاعية. ونرى الألمان ما موقفهم من الحرب والإنجليز والأميركيين. غير الإسرائيليين هناك مجموعة دولية كبرى عندها إمكانيات خيالية وعندها إمكانيات تقنية بخدمة الموساد الإسرائيلي. فكيف سنواجهها؟ نواجهها بالعقل والحكمة وبالتوازن. و70 أو 80% من  اللبنانيين يريدون البلد في فرح ونجاح وازدهار…

لكن هناك أفرقاء يقولون: لا نريد العودة إلى الوضع السابق ولا إلى استراتيجية دفاعية…

هناك فريق وليس أفرقاء. وطرحهم يُقال لكن لا يُنفّذ. لأنّ البلد محكومة بالحوار والتوصل إلى قواسم مشتركه. هناك مغالاة لا حدود لها وطروحات غير واقعيه لا يمكن تنفيذها ولا يجوز تنفيذها. لأنّ هذا التنفيذ لا يمكن أن يتم إلا بالقوة وبعودة الإنقسام وعلى حساب أهلنا اللبنانيين الشيعة بجعلهم مقهورين ومغلوبين على أمرهم. نحن لا نريد ذلك أبداً. وأصلا هم ليسوا مقهورين ولا مغلوبين على أمرهم ولا من يحزنون. وان شاء الله يكونون دائماً بخير.

ماذا عن إيران؟

 النصّ الإيراني في الشهرين الأخيرين مثير للتوتر. يأتي رئيس مجلس الشورى الإيراني ليقول لك إنّ إيران والخامنئي ركيزة اللبنانيين. «ركيزة شو يا حبيبي ليش؟ إنتو وين موجودين؟».

نحن نعرف الإنتداب العثماني والإنتداب الفرنسي. واحد أتى ومعه عمارة وموسيقى وعلماً وافتتح جامعة. والفرنسي أحضر معه اللغة والإنفتاح على الغرب. أما الإيراني فماذا أحضر لنا؟ غير الحروب والخراب. أين العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن؟ أين هذه الدولة المنتعشة؟ وكلّه تحت شعار حماية النظام .

طيب حبيبي أنت تغامر بكل شعوب الدول اللي ذكرناها لتحمي النظام؟ هذا حلال، وحرام علينا أن نحمي نظامنا وأن نحمي حياتنا وأن نحمي أهلنا؟

اليوم هل هناك فرص لتنفيذ 1701 بشكل جدّي من الآن إلى شهرين أو ثلاثة؟ أم أنّ الكلمة للميدان؟

أي ميدان؟ وما هذا الميدان؟

هؤلاء الشباب الموجودين في منطقة جنوب الليطاني إستشهاديون وليسوا مقاتلين. لأنّ ثلاثة أرباع شبكة اتصالاتهم متوقفة. الجريح ليس له مستشفى. لا إمدادات. ولا تبديل. وبالتالي هؤلاء إستشهاديون وأبطال ومقاومون لأنّ الجيش الإسرائيلي يريد أن يدخل الأراضي اللبنانية. لا يمكن أن ننكر بطولتهم ولا مقاومتهم، لكن يجب ألا نضحي بأرواح مئات وآلاف الشباب… هذا لا يمكن أن يستمرّ.

لنسمّي الاشياء ونبسطها: تقول إنّ هناك هزيمة حاصلة؟

ليس بالضرورة. لكن يجب أن نذهب إلى تصرّف عاقل من الكثير من المعنيين، وأوّلهم وأكبرهم الرئيس نبيه بري الذي جعل من عين التينة ملجأً للوطنية.

وعلى عكس رأيك ورأيي السابق، الرئيس نجيب ميقاتي في هذه الأزمة أثبت أنه قام بدور فعال وجدي بالتواصل مع كل الأطراف. خاصة حين صار لديه حماية داخلية من البطريرك تحديداَ ومن وليد بك ومن الرئيس بري. وتصرف بأحسن ما يمكن لرئيس حكومة أن يفعل. لماذا؟ لأنه بالنتيجة نحن ننسى أنه استلم حطام رئاسة حكومة وليس رئاسة حكومة.

أف ليش؟

هل نسيت أن آخر رئاسة حكومة قبل آخر حكومة بعهد الرئيس ميشال عون أرسلوا له التشكيلة الحكومية مع درّاج. وهذه سابقة ما صارت منذ 1943. وطبعاً مع الدكتور حسان دياب مشاكلنا أكبر لأن تجربة التكنوقراط لم تثبت نجاحها في أي مجال. ويكفي بالموضوع الإقتصادي ومشاكله والسندات ومن اشترى ومن باع.

هذه الحرب لن تتوقف ولن يقبل المجتمع الدولي الدولة اللبنانية من دون استراتيجية دفاعية. بقاء الحزب على سلاحه أمر مرفوض من بدايته لنهايته من المجتمع الدولي ومن الكثير من الدول العربية أيضاً.  النظام السوري أو الرئيس الأسد أخذ مسافة وعاد للوراء مسافة غير كاملة.

إذا لم يكن هناك وقف لإطلاق النار… لن يكون هناك انتخاب رئيس…

لا يوجد مجلس نواب اليوم عملياً. جزء من النواب لا ينزلون إلى البرلمان لأسباب أمنية. وانسى الأمن. في السياسة انتخاب الرئيس الآن يثير زوابع أو مخاوف كبرى عند الحزب وعند غيره من القوى. وهذا يجب ألا يحصل.

تقصد التوازنات داخل البرلمان أو بالتوازنات في البلد؟

الرئيس بري حين قال 86 نائباً هذا صحيح. لم يقصد حضور 86 نائباً. الأكثرية المطلوبة في الدورة الاولى لانتخاب رئيس هي 86. وهذا يحتاج إلى اتفاق دولي كبير.

ما هو الدور الذي سيلعبه رئيس الجمهورية؟

لديه مهمة. وهناك كلام بين الدول الخارجية تحت عنوان «الرئيس القوي». وبصراحة هذا تعبير غير لائق. لأنّ الرئيس القوي هو الرئيس الذي يتمسّك بالدستور. جرّبنا الأقوياء ورأينا أين أخذوا البلد.

تقصد الرئيس عون؟

لا، وقبله. الرئيس إميل لحود من شو بيشكي؟

هناك رؤساء كثيرون يمكن أن نعدّهم ولن ننتهي.

بشارة الخوري انتهى بالثورة البيضاء. وكميل شمعون بحرب 1958. وسليمان فرنجية معه التحالف الثلاثي وصلنا إلى حرب أهلية. هؤلاء الرؤساء الأقوياء.

بشير الجميل اغتيل. من يبقى؟ إميل لحود؟ ميشال عون؟

نريد رئيس جمهورية ملتزم بالدستور وحكيم ومتوازن وله علاقة بكل الناس، وقادر على أن يحتوي كل الناس. نحن نفتخر برئيس «تبكّل جاكيتك قدامه. من زمان ما بكّلنا جاكيتتنا قدامهم». كان الرئيس الياس سركيس أهم رئيس على عكس كل الشائع. وسط الحروب من حوله، كان متوازناً وهادئاً ويأخد قرارات سليمة، ولا يقاطع أحداً. يتفهم المسيحيين ويسمع للمسلمين. رجل مسؤول 24 ساعة.

ألا نريد رئيساً يتعهد مثلما اقترح الدكتور سمير جعجع بتنفيذ القرارات الدولية؟

أولاً هو مفاوض ولا يستطيع أن يوقع. لا تنسى أنّ هناك دستوراً في لبنان.والذين تسبّبوا بأزمات كبرى في لبنان هم الذين لم يلتزموا بالدستور. كنا نتحدث عن الدراج.

لكن الحكومة كيف ستكون؟ حكومة اتفاق وطني، حكومة وحدة وطنية؟

هناك نظرية بتغيير الطبقة السياسية. هذا يحتاج إلى 3 دورات انتخابية. كيف ستأتي بقادة جدد؟ لا نملك غير الانتخابات النيابية. هذه المشكلة نفسها في فلسطين. هناك طبقة سياسية لها جذور وعمرها عشرات السنوات وعندها مصالح ومعها ناس ومصالح. 3 دورات يعن 12 سنة. إلا إذا كنا نتحدث عن انقلاب وليس عن تغيير في ظرف طبيعي.

لكن أين الطائفة الشيعية؟ وهل سنشلّعها؟

رغم كل الاغتيالات هذ نظام ديمقراطي برلماني ينتج بشكل طبيعي من يمثلون الشعب. لا يوجد طائفة في لبنان إلا ومرّت بمطهر الاغتيال، الدروز والسنة والشيعة والموارنة وآخرون. لا أحدي يستطيع تشليع الشيعة. ما شاء الله على الرئيس بري «قدّ الكلّ». وأنا سمعت من سفراء عن تغيير الطبقة السياسية.

بالنسبة إلى صيغة النظام. هناك اتفاق الطائف. ورئيس الحكومة أمس حكى عن الطائف، والأستاذ وليد جنبلاط تحدث عن الطائف. لكن هناك أطراف أخرى تقول إن النظام «مش ماشي». أنتم أخذتونا بدربكم. أخذتوا قرار الحرب والسلم. والبعض يطرح الحياد. والبعض الآخر يطرح الفيدرالية….

سمعنا الأصوات نفسها من المسيحيين منذ 1976. عاشرتهم وأعرفهم واحداً واحداً. هذا أمر يحتاج إلى قرارات دولية وليس قرارات رعايا جالسين في بيوتهم يقرّرون شكل البلد.

الأنظمة التوافقية مريضة. التغيير نفكّر فيه بأيام السلم وبهدوء وبرواق.

ولأكن صريحاً: غير اتفاق الطائف لا يوجد أي مدخل على العالم العربي. لا يصدّق أحد أنّ هناك دولة عربية نحتاجها وتحبنا ومعترفة بنا، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، وأولهم المملكة العربية السعودية، وفوقهم مصر، سيعترفون بها من خارج الطائف.

نوجّه تحية للأستاذ وليد جنبلاط الذي يقول: «الحمدلله أنّ هناك صوتاً وطنياً عاقلاً كنهاد المشنوق»

«كتّر خيره». وليد بك يخوض حربين، حرب الداخل لضبط الوضع واستقبال النازحين، وحرباً بوجه الشيخ موفق طريف الذي دعا نتنياهو على الغداء. والحمدلله أنّه نجح في الحربين. «منّو قليل أبداً أبداً أداً وصاحب تجربة». ولم يقصّر أبداً.

نعود إلى الطائف.

لا يوجد مدخل من لبنان إلى العالم العربي غير الطائف. إذا أردنا أن تقاطع العالم العربي هذاشأن آخر. لأنّ قراءة العرب للوضع في البلد نابعة من الطائف. فهل تم تنفيذ الطائف؟

نحن عشنا ترجمة سورية من الطائف نفذوها حتى 2005؟ ما هي هذه الترجمة السورية؟ 3 رؤساء أقوياء.

ترويكا.

كانوا يختلفون والحكم في الشام. 

غادر السوري ولم يعد هناك ضابط.

حين خرج السوري دخلنا في الفوضى لسنوات. 6 سنين من دون رئيس جمهورية. وما نفذنا منه شيئاً. وفجأن نقول إنّه «مش ماشي». كيف «مش ماشي»؟ هل نفّذته أولاً؟ نفّذه ثم يمكن أن تقول «مش ماشي».

هل هناك فوضى نازحين في بيروت؟

لدينا  200-300 ألف نازح في بيروت. 60% دبّروا أمورهم، و40% «مبهدلين». لهذا من الطبيعي التوتر الدائم والنرفزات. 

لو كنت اليوم وزير داخلية كيف كنت تصرفت أمام هذه الأزمة؟

أولاً أنا منصب رئيس مصلحة أو مدير عام أو نائب أو وزير أو رئيس حكومة لا علاقة لي لا من قريب ولا من بعيد. لا راغب ولا طامع ولا حدا عرض عليّ. لنحسم هذا الأمر.

ولا حتى منصب رئيس حكومة؟

أنا مرتاح كثيراً على وضعي وعلى تجربتي وعلى خبرتي وعلى الإعلام وما عندي أي رغبة بهذا الأمر.

معي خطاب ألقيتَهُ في احتفال إقامة نصب تذكاري للعميد ريمون إدّه في جبيل في 9 أيلول 2015. تقول: «كم كنتً على حق يا عميد الوطنية. وكتبتَ: «هنا يرقد ريمون إدّه الذي كان على حقّ». اخترتَ هذه الجملة لتُكتب على ضريحك. وها أنا أعترف أمام ذكراك وفي حضرة روحك النبيلة: كم كنتَ على حقّ. كم كنتَ على حقَ حين رفضت باعتدال اتفاق القاهرة عام 1969. وهو الاتفاق الذي شرّع البلاد أمام تجربة السلاح الفلسطيني. وأنا من جيل ينتمي إلى هذه الخطيئة بحقّ لبنان.

يجب أن أقول إنّه منذ 1969 إلى اليوم ونحن نحمل هذا الموضوع. من وقت اتفاق القاهرة. فهل هناك ديون علينا بعد؟

ماذا عن الدكتور سمير جعجع؟

أنا أحترم موقفه من القرار 1559، وهذه وجهة نظره. ليس لي أن أقبل أو أرفص. بالعكس هذه وجهة نظر موجودة وجدية. والقوات جزء جدي من الحياة السياسية اللبنانية وجزء جدي من الحياة المسيحية السياسية. لكن رغبة مجموعة من الناس، مهما كان حجمها، بالطلاق، تستلزم أن يكون المطلّق لديه بيوت كثيرة. لكن إذا كان لديه أولاد كثيرون ولا مكان يتّسع لهم كلهم، فالنتيجة أنّنا لا نريد الطلاق. نحن نعيش سويّاً، ولسنا نريد أن نعيش سوياً. نحن نعيش مع بعضنا البعض.

هناك أجواء كثيرة عن عملية إيرانية ضد إسرائيل وهناك مسوؤلون إيرانيون قالوا لـ»نيويورك تايمز» إنّ خامنئي أمر بالإستعداد لمهاجمة إسرائيل.

هناك جو أميركي، وبالعكس أيضاً، من إسرائيل، أنّها سكرّر الضربة ضدّ إيران. صحيح إيران تضررت كلّ دفاعاتها الجوية والوقود الصاب الذي تصنع منه الصواريخ البالستية، لكن الأميركيين قالوا لهم إنّ هذه الحدود التي يمكن أن تعلموا تحتها. والعكس صحيح. لأنّ الإمام الخميني يقول: «النظام أهم من حياة الإمام المهدي».

غداً عيد ميلاد رفيق الحريري، كلّ عمرك تتوجه لجمهور رفيق الحريري. اليوم ماذا تقول لجمهور رفيق الحريري؟

أقول له إنّنا بخير ونحن ان شاء الله مع الوقت أكثر وأكثر سيصير وضعنا أحسن وأحسن وأحسن، مثل كل اللبنانيين. لسنا وحدنا، لكن هذا القهر الذي عشنا وعاشه الآخرون، وربما اليوم أهلنا الشيعة يعيشونه ببسب اغتيال السيّد حسن نصر الله، هذا يعطينا أملاً  ودفعاً لنسعى ونتفاهم مع بعضنا أكثر من قبل، ونقوم بواجباتنا أكثر من قبل، ونأخد حقوقنا أكثر. لنا حقوق وعلينا واجبات مثلنا مثل الجميع. وهذه المرحلة التي مرّت، مرحلة عدم التوازن كما أسمّيها، هي مرحلة طبيعية بعد اغتيال شخصية كبرى مثل الرئيس الحريري. ومرّ فيها قبلنا المسيحيون والشيعة اليوم، وان شاء الله يستعيدوون توازنهم. رحه الله. لكن هذه تجربة لن تتكرّر. أتمنّى على كل الذين يعرفونه و عاشروه والذين عاشوا معه ليس فقط أن يتذكروا رفيق الحريري بل أن يتذكروا ويصلّوا له وأن يسعوا إلى لبنان نفسه الذي كان يعمل من أجله.

التعليقات (0)
إضافة تعليق