جميلة هي ثورة بلاد الشّام

بقلم زياد عيتاني

«اساس ميديا»

“أقولها بالفم الملآن كم كنت واهماً… ربّما كنّا أسرى لثقافة الخوف.. أو ربّما خشينا من التغيير لأنّنا كنّا نتصوّر أنّ ذلك سيقود إلى الدم والفوضى… لكن ها نحن ندخل مرحلة جديدة برجال أدهشنا نبلهم في نشر ثقافة التسامح والرغبة في إعادة لحمة الشعب السوري…. شكراً لأنّني أحسّ أنّني شيّعتُ خوفي وأوهامي….. بشجاعة أعتذر عمّا كنت أراه وأفكّر فيه”، هذا ما كتبه الفنّان السوري أيمن زيدان عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي.

 أيمن زيدان المعروف بولائه للرئيس المخلوع بشار الأسد، لم يتردّد بكتابة اعتذار من السوريّين وثورتهم، من المفقودين في غياهب السجون وتحت الأرض في المقابر الجماعية.

هي لحظة ضمير، قبل أن تكون لحظة تاريخية، تستوجب من الجميع كلّ الجميع في لبنان وسوريا وكلّ الأقطار العربية أن يقدّموا اعتذارهم لشعب وثورة جميعنا ظلمناهما مرّة بوصفهما إرهابيين وتارة فوضويين، وأحياناً أخرى بتجاهلنا لأوجاعهما وقهرهما في خيم النزوح واللاجئين.

رؤوس التّماثيل فقط

لم تكن لحى الثوّار لحى متشدّدة ولا لحى إرهابية. كانت لحى إهمال الزمن وضيق الوقت وفقر الحال، بسبب ظلم نظام لا يعرف سوى القمع والاعتقال والإعدام. جيشه لا يجيد القتال، بل يجيد قهر الناس وإذلالهم على الحواجز ومنع رغيف الخبز عنهم وسلبهم مدّخراتهم.

لقد تعلّمنا في المدارس والجامعات قصص الثورات في العالم. كانوا يحدّثوننا عن الثورة الفرنسية وقيمها الاجتماعية، فيما الصورة التي تتصدّر ذاك الدرس صورة رأس قُطع بمقصلة الثوّار. صورة لم نشاهدها اليوم في ثورة السوريين في حلب وحماة وحمص ودمشق. لم نشاهد صور رؤوس بشر كانوا على قيد الحياة منذ دقائق. شاهدنا فقط صور تماثيل الطغاة، الأب ونجلَيه الحاكم الهارب والمقتول بحادث من حوادث السيارات.

ثورة السوريين تصلح أن تُكتب عنها مجلّدات، وأن تُرسم لها آلاف اللوحات، وأن يُطلق الشعراء سجيّتهم لينظموا مئات المعلّقات. ثورة بيضاء ليس فيها ثأر ولا سفك دماء على الرغم من هذا الهول الكبير من الظلم ومن الوجوه الصفر المرتعبة وهي تُحرَّر من أقبية المعتقلات.

هل شاهدتم تلك الأمّ وطفلها في سجن صيدنايا، حيث وقف الطفل عند باب الزنزانة متسائلاً متفاجئاً: هل هذه هي الحياة؟

قوافل النّازحين تهرول

هل شاهدتم قوافل النازحين في لبنان وهي تهرول إلى المعابر الشرعية وغير الشرعية. تريد الالتحاق بمهرجانات الفرح في ساحة الأمويين. نعم الأمويين، الذين لم ينجح الطغاة في أن يقتلعوهم من عاصمتهم، ولا من مسجدهم الكبير حيث المئذنة البيضاء والموعد مع السيّد المسيح وضريح صلاح الدين وحفيده نور الدين. من حقّ السوريين أن يفتخروا بثورتهم. ومن حقّنا نحن في بيروت وطرابلس والبقاع وعكار وصيدا أن نطلق الأهازيج وأن نحتفل بهذا الانتصار. كم جرحٍ ترك فينا هذا النظام! وكم كبيرٍ من قومنا قتل واغتال ونفى وقهر دون أيّ اعتبار! من حقّنا أن نُبشّر مفتينا حسن خالد وحبيبنا رفيق الحريري ومعلّمنا كمال جنبلاط. من حقّنا أن نوقظ وسام الحسن في ضريحه ونقول له: “لقد تحقّق الانتصار”.

سوريا لكلّ أبنائها

سوريا لكلّ أبنائها، سواء كانت مسلمة أو مسيحية أو درزية أو إسماعيلية أو ملحدة، شريطة أن تؤمن بهذا الخيار. سقطت التماثيل في دمشق وكلّ المدن كما سقطت تماثيل قريش في فتح مكة حيث وقف المنادي ناقل رسالة الرسول الأكرم بأنّ الكُلُّ آمن في هذه الديار. دمشق اليوم خضراء، ومن قال إنّ الأخضر ليس قدراً في حمص خالد بن الوليد وفي شام صلاح الدين وفي حلب الأولياء الصالحين.

سوريا اليوم ترسم المستقبل. لا تغرّنّكم تفاصيل صغيرة ستختفي بعد ساعات أو أيام. انظروا إلى حواضر هذه البلاد. انتصرت ثورتها وبقيت سالمة حواضرها التي عبرها ستسود العدالة بعد طول انتظار.

سوريا اليوم دون سجناء. حتّى الهاربون من أزلام النظام كانت الوصية أن “لا تدركوا هارباً” منهم و”لا تعتقلوا من رمى سلاحه” و”لا تعتدوا على آمن في منزله، فلقد مللنا منطق الاعتقال”.

بالعودة إلى أيمن زيدان، من الواجب علينا نحن اللبنانيين أن نعتذر عمّا اقترفه البعض منّا في الميدان وما ارتكبه بلسانه في الإعلام. عقارب الساعة قدرها أن تسير إلى الأمام. الحقّ حقٌّ وإن طال الزمان.

زياد عيتاني

التعليقات (0)
إضافة تعليق