بقلم ملاك عقيل
«أساس ميديا»
يخوض رئيس حزب القوّات اللبنانية سمير جعجع معركته بوجه العهد باكراً جدّاً. لم يكن جوزف عون، بالطبع، مرشّحه لرئاسة الجمهورية، لكنّه سار بخيار رئاسيّ زكّته واشنطن والرياض. حصّل ما أمكن من مكتسبات في الحكومة، وفي التعيينات الأمنيّة بوصول العميد جان عوّاد إلى قيادة الدرك، وطوّبته الإدارة الاميركية حليفاً رقم 1، مقارنة بباقي القوى السياسية، ومنها قوى التغيير، بعدما خصّته الوسيطة الأميركية مورغان أورتاغوس بلقاء في معراب. اتّهم سمير جعجع صراحة العهد، في حديث إلى موقع “أساس”، باتّباعه سياسة “أبي ملحم” في تعاطيه مع سلاح “الحزب”، “وهيك ما فينا نبني دولة”. والاتّهام الأخطر هو أنّ “نظرة العديد من الدول للسلطة اللبنانية الحالية وكأنّها لا تزال تحت سلطة “الحزب” ولو بشكل غير ظاهر”.
التحق سمير جعجع سريعاً بجبهة معارضة العهد، قبل أن يجفّ حبر تصويت نوّاب القوّات لجوزف عون رئيساً للجمهورية، ومع ذلك تحطّ النائبة ستريدا جعجع في قصر بعبدا ضمن سياق زيارة “مجاملة” لا أكثر. سيسعى جعجع إلى الاستثمار الأقصى في الدعم الأميركي والسعودي، المجيّر بالكامل للعهد، في وقت يرى القوّاتيّون بأنّ “تخصيص أورتاغوس جعجع بزيارة خاصة يعكس تبنّياً أميركياً كاملاً لمسار القوّات بسقفه العالي في شأن نزع سلاح “الحزب”، في مقابل دبلوماسية أكبر تطبع خطاب قصر بعبدا لن تؤدّي إلى تحقيق الهدف المطلوب”.
رفعت “القوات” أمس سقف هجومها من خلال إعلان النائب جورج عدوان احتمال طرح الثقة بالوزير غسان سلامة بسبب ربطه بين السلاح وإعادة الإعمار، متوجّهاً إلى رئيس الحكومة بالقول: “المطلوب اتّخاذ تدبير سريع بحقّ الوزير سلامة لأنّه يُخالف البيان الوزاري والقرارات الدولية، وقد طلبنا من الحكومة إدراج بند يتعلّق بجمع السلاح وتسلّم المراكز الأمنيّة على جدول الأعمال، ونحن منحنا الحكومة الثقة على هذا الأساس”.
بين جبران وسمير
يمكن التسليم منذ الآن، على بعد عام من الانتخابات النيابية في أيّار المقبل، بأنّ النائب جبران باسيل وسمير جعجع سيقفان، مسيحياً، في المقلب المضادّ لسياسات العهد. الخصم واحد، لكنّ المنطلقات والخلفيّات متباعدة ومتضاربة. لكنّ المفارقة أنّ جعجع تجاوز بأشواط باسيل في انتقاد رئيس الجمهورية، فيما يفضّل الأخير تركيز هجومه على الحكومة، مانحاً العهد مزيداً من فترة السماح.
سيخوضها باسيل كمعركة حياة أو موت في السياسة، ستبدأ من محاولة الحفاظ على مقعده النيابي في البترون، واستيعاب التأثيرات السلبية لخوض أربعة نوّاب، خرجوا من التيار الوطني الحرّ أو فُصلوا، المعركة النيابية ضدّه، علاوة على الحدّ من خسارة الحليف الأوّل، أي “الحزب”. أمّا جعجع فسيسعى إلى تنصيب نفسه زعيماً مسيحياً بانتظار فرضه مرشّحاً أوّل لرئاسة الجمهورية بعد ستّ سنوات.
لم يكتفِ جعجع بالتصويب مباشرة ضدّ رئيس الجمهورية، والتأكيد أنّ السعودية لم تلبِّ “أيّ مطلب” للرئيس خلال زيارته لها، إذ تكفّل وزير المهجّرين والذكاء الاصطناعي كمال شحادة، القريب من معراب، باستكمال المُهمّة.
ردّاً على تأكيد الرئيس عون أنّ السلاح شمال الليطاني سيكون خاضعاً لحوار داخلي، رابطاً إيّاه بالعمل على صياغة استراتيجية الأمن الوطني التي تنبثق منها الاستراتيجية الدفاعية، قال شحادة إلى محطّة “الحدث” إنّ “استراتيجية الأمن الوطني غير خاضعة للحوار، وهي مضيعة الوقت، وهناك خطر أن نُضيّع وقتنا عليها. فسياسة الأمن الوطني تقرّها الحكومة مع 24 وزيراً برئاسة رئيس الجمهورية”، ولا علاقة لها بسحب السلاح. سبق أيضاً لوزير الخارجية يوسف رجّي أن تخطّى الموقف الرسمي اللبناني بالتماهي الكامل مع المطلب الأميركي بحصر السلاح بيد الدولة، من دون الركون إلى أيّ حوار، والعمل على انسحاب إسرائيل “عبر الاستعانة بالضغط الدبلوماسي الدولي خياراً وحيداً”.
“الديل” المُقيّد
يذهب القوّاتيون أبعد “بالتسليم بأنّ الجيش مؤهّل، من دون اتّفاق مسبق أو حوار داخلي، لسحب السلاح شمال الليطاني وجنوبه، وفي كلّ المناطق، ولو بالقوّة”، وهو الأمر الذي أكّدته أورتاغوس في تصريحاتها الأخيرة، عبر تأكيد قدرة الجيش اللبناني على نزع السلاح، وهذا جزء من سياسة الضغط الأقصى التي ينتهجها الرئيس دونالد ترامب ضدّ إيران. يتحدّث القوّاتيون عن “ديل بين رئيس الجمهورية والثنائي الشيعي حكم انتخابه، وقد يُشكّل تقييداً له طوال ولاية عهده، وهذا ما ستتصدّى له القوّات”.
تقول مصادر مواكبة لحركة معراب إنّ “جعجع يُدشّن معركته النيابية المقبلة في سياق شقّين مرتبطين بالاستحقاق: تحضير الخطاب السياسي وتحديد الخصم. قد يكون، فعليّاً، الخصم الأوّل له هو رئيس الجمهورية، وليس “الحزب” الذي سيكون إحدى “وسائل” المعركة. يخشى جعجع من “وهج العهد”، منطلقاً من اعتبار أنّ باسيل قد ضعف جدّاً في السياسة، ولذلك يعتبر الرئيس جوزف عون منافسه الوحيد والفعليّ”.
استقالة من الحكومة؟
أبعد من ذلك، يرى خصوم القوّات أنّ “جعجع، من خلال الغبار السياسي الكثيف الذي يصطنعه حيال سياسات العهد، يحاول التغطية مسبقاً على أيّ فشل محتمل للوزراء المحسوبين عليه، خصوصاً في وزارة الطاقة، عبر الوعود “الحزبية” السابقة بزيادة التغذية الكهربائية خلال أشهر قليلة إذا تسلّمت “القوات” وزارة الطاقة”، وبعدما تحوّلت تصريحات وزير الطاقة جو صدّي على مواقع التواصل الاجتماعي إلى “فرصة” لمؤيّدي جبران باسيل لمهاجمة معراب، بالقول إنّ “صدّي يستنسخ مواقف سابقة لوزراء في التيّار الوطني الحرّ، في شأن الخطّة المفترض اعتمادها لإصلاح قطاع الكهرباء”. ويخشى القوّاتيون عدم إمكان حصر إعادة الإعمار بوزارة المهجّرين، كما ترغب معراب”.
حوار بين عون و”الحزب”؟
المزايدة القوّاتية على رئيس الجمهورية، وتصويره “شيخ صلح” في ملفّ السلاح، يرتدّان شدّاً للعصب المسيحي، بجزئه الرافض للحوار في نزع السلاح. وكان مسؤول جهاز الإعلام والتواصل في القوات شارل جبّور، في تصريح إعلامي، الأكثر وضوحاً في هذه المقاربة، بتأكيده أن “لا يجوز أن يكون السلاح، بأيّ شكل من الأشكال، موضع نقاش أو حوار تحت أيّ مسمّى”، مطالباً أن يكون “الموقف الرسمي شديد الوضوح من خلال القطع نهائياً مع المرحلة السابقة، ومن الخطيئة إرضاء الشيعية السياسية بتعويم سرديّة ما يُسمّى مقاومة، من خلال الكلام عن استراتيجية دفاعية”. وسبق لجبّور، الناطق باسم القوّات اللبنانية، أن طالب بتخيير “الحزب” بين “التخلّي الطوعي عن سلاحه، أو فرض السيادة بالقوّة”.
في السياق نفسه، وفيما سَرَت معلومات عن إمكان توجّه رئيس الجمهورية لإجراء حوار ثنائي مع “الحزب” في شأن سلاحه، تقول مصادر مطّلعة إنّ “هذه المعطيات مصدرها عين التينة، وكلّ شيء خاضع للنقاش في قصر بعبدا، بما في ذلك الحوار مع “الحزب” وجهاً لوجه”.
ملاك عقيل