يواجه خبراء الاقتصاد انتقادات بعدما أخطأت تقديراتهم المرتبطة بالتضخم وفشلوا في توقع الاضطرابات التي شهدتها سلاسل الإمداد، بينما توقعوا ركوداً لم يتجسّد.
وجد الخبراء صعوبة في التنبؤ بتطورات الأوضاع الاقتصادية في ظل وباء كوفيد والحرب في أوكرانيا ومؤخراً، النزاع في الشرق الأوسط.
وضمت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد صوتها إلى الأصوات المنتقدة لخبراء الاقتصاد خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الشهر الماضي.
وقالت: «إن العديد من خبراء الاقتصاد هم في الواقع زمرة قبلية»، في إشارة إلى غياب الانفتاح على توجّهات علمية أخرى.
وأضافت لاغارد التي شغلت في الماضي منصبي مديرة صندوق النقد الدولي ووزيرة المال الفرنسية أن الخبراء «يقتبس بعضهم أقوال بعض.. لا يتجاوزون حدود عالمهم، لأنهم يشعرون بالارتياح فيه».
ويؤكد بعض خبراء الاقتصاد بالفعل أن على أقرانهم الخروج من دائرتهم المريحة المتمثّلة في جداول بيانات «إكسل» والنماذج الجامدة.
وقال كبير خبراء اقتصاد منطقة اليورو لدى مصرف «آي إن جي» بيتر فاندن هوت بنبرة ساخرة: «إن العالم تغيّر بعض الشيء».
التضخم
وبعد سنوات من التضخم المنخفض، أدت إعادة فتح اقتصادات العالم إلى ارتفاع الأسعار التي ازدادت أكثر بعد الحرب في أوكرانيا، لتثبت عدم صحة تطمينات لاغارد ورئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول إلى أن الزيادات ستكون «عابرة» فحسب.
واضطرت المصارف المركزية إلى رفع معدلات الفائدة مرّات عدة لمكافحة التضخم. وبينما تراجعت زيادات الأسعار في الشهور الأخيرة أبقى صانعو السياسات المعدلات مرتفعة بانتظار تحديد إن كان بإمكانهم خفضها لاحقاً هذا العام.
وأقرت لاغارد بأن التوقعات التي استندت إليها قرارات البنك المركزي الأوروبي لم تكن صحيحة على الدوام، ولم تضع نماذجها العوامل المرتبطة بالأزمات في الاعتبار.
وقال فاندن هوت: «إن إمكان الوثوق بالنماذج التي نستخدمها حالياً أقل نظراً إلى وجود العديد من العوامل التي يصعب دمجها فيها».
وأشار خصوصاً إلى اضطراب سلاسل الإمداد بعد الوباء، ونقص العمالة، والتوترات الجيوسياسية.
أخطأ خبراء الاقتصاد بعودتهم إلى منظور الماضي
وقال خبير الاقتصاد لدى «أليانز تريد» ماكسيم دارميه: «إن مصدر الفشل ليس النماذج الاقتصادية، بل افتقار خبراء الاقتصاد إلى الخيال».
وأضاف «استقروا على أمجادهم الماضية بعد 30 عاماً من العولمة، سار كل شيء خلالها على ما يرام».
ركود لم يحدث
وبينما لجأت المصارف المركزية لرفع معدلات الفائدة لمنع خروج الاقتصادات عن السيطرة، حذّر الخبراء من أن النمو في البلدان المتقدمة سيسجّل تراجعاً حاداً أو حتى انكماشاً في 2023.
لكن ما حصل أن اقتصاد الولايات المتحدة سجّل نمواً العام الماضي بينما بقي اقتصاد منطقة اليورو، باستثناء ألمانيا، ضمن منطقة النمو.
وفي وقت سابق هذا الأسبوع، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي لعام 2024 إلى 3.15، عازياً الأمر إلى الصمود غير المتوقع في اقتصادات رئيسية ناشئة ومتقدمة، بما فيها الولايات المتحدة والصين.
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة برنستون آلان بلايندر لفرانس برس: «هناك أحجية في تباطؤ التضخم الواضح هذا».
توفرت كل المؤشرات الدالّة على ركود مقبل، لا سيما معدلات الفائدة في الولايات المتحدة، بينما هيمن تشاؤم على المؤشرات، علماً بأنه في سبعينات القرن الماضي، كان الركود المخرج الوحيد من التضخم المرتفع. لكن اتُّهم خبراء الاقتصاد مجدداً بضيق الأفق.
وأرجع فاندين هوت الأمر جزئياً إلى ضعف نوعية البيانات وتراجع معدلات الرد على الاستطلاعات.
كما ساهمت في الأمر ظواهر جديدة. فعلى سبيل المثال، ساعدت المدخرات في زيادة الاستهلاك بينما تعاملت الشركات «بشكل أفضل» مع معدلات الفائدة مما كان عليه الحال في الماضي، بحسب المدير العام لـ«ماركت سكيوريتيز موناكو» كريستوف بارو.
وأفادت الحائزة جائزة نوبل في الاقتصاد إستر دوفلو في مقابلة مع فرانس برس مؤخراً بأن خبراء الاقتصاد تراجعوا إلى «المرتبة الأخيرة» على قائمة المهن الأكثر جدارة بالثقة، ليتفوق عليهم حتى خبراء الأرصاد الجوية.