الشرق – صدر التقرير الاقتصادي الجديد لبنك عوده لفت فيه إلى أن «الأوضاع الاقتصادية والنقدية خلال الفصل الأول من العام 2024 جاءت على مرآة الظروف الاقتصادية في الفصل الرابع من العام 2023: انتكاس الاقتصاد الحقيقي نتيجة التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للحرب على الحدود الجنوبية اللبنانية والتي نتج عنها ركود الناتج، واستقرار الوضع النقدي في ظل استقرار سعر صرف الليرة مقابل الدولار على الرغم من التداعيات السلبية للحرب، وشبه التوازن في المالية العامة نتيجة احتواء عجز الموازنة على الرغم من التأثير المعاكس لعامل زيادة أجور القطاع العام». وأضاف: إن التقلص الذي شهدته مختلف مؤشرات القطاع الحقيقي خلال الأشهر الستة الماضية منذ اندلاع الحرب إنما يثبت نظرية الركود الاقتصادي. من ضمن هذه المؤشرات، يذكر تقرير بنك عوده نشاط البناء حيث انخفضت تراخيص البناء بنسبة 14%، إضافة إلى نشاط المطار مع انخفاض عدد المسافرين (-11%) والصادرات عبر مطار بيروت (-13%)، وتراجع النشاط السياحي بشكل عام كما يستدل من خلال انخفاض عدد السياح بنسبة 24%. على صعيد الوضع النقدي، أشار التقرير إلى أن «الليرة اللبنانية حافظت على استقرارها مقابل الدولار خلال الأشهر الاثني عشرة الأخيرة، بينما واصل مصرف لبنان تعزيز احتياطياته السائلة من النقد الأجنبي والتي سجّلت نمواً مقداره 283 مليون دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام (أي بنمو تراكمي مقداره 1.0 مليار دولار منذ بتسلم القيادة الجديدة لحاكمية مصرف لبنان في نهاية تموز 2023). ان الثبات المتواصل لسعر الصرف في السوق الموازية يندرج في سياق (1) اقتصادٍ محلي مدَوْلر بشدّة مع كبح الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية، و(2) شبه توازن في المالية العامة في ظل احتواء العجز في موازنة الدولة، و(3) شبه توازن في الحسابات الخارجيّة مع تسجيل ميزان المدفوعات فائضاً طفيفاً في السنة الفائتة بعدما كان يسجّل عجزاً سنوياً بمعدل 5 مليارات دولار منذ بداية الأزمة، و(4) تقارب نسبي بين سعر الصرف الرسمي للّيرة اللبنانية إزاء الدولار الأميركي وسعر صرف الدولار في السوق الموازية، في ظلّ الجهود الحثيثة لإرساء أسس نظام صرف جديد موحَّد. يجدر الذكر في السياق نفسه ان التضخم السنوي والذي كان قد وصل إلى 366% في آذار 2023، انخفض إلى 36% في آذار 2024. ولما كان سعر الصرف قد بقي مستقراً تقريباً خلال العام الفائت، فإن التضخم بالليرة اللبنانية يقابله تضخم مماثل بالدولار خلال الفترة المغطاة، ما يشكل ضغوطاً لافتة على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للأسر». أما على صعيد القطاع المصرفي، فأعلن أنه «صدرت أخيراً الإحصاءات المصرفية حتى نهاية شباط 2024، حيث سجّل الشهران الأولان من العام الجاري تراجعاً في الودائع بالعملات قيمته 909 مليون دولار (لتبلغ زهاء 90371 مليون دولار). وقد تأتى ذلك بشكل كلي عن انخفاض الودائع المقيمة بالعملات، في حين ظلت الودائع غير المقيمة بالعملات مستقرة خلال الشهرين الأولين من العام 2024. في موازاة ذلك، تقلصت التسليفات بالعملات بمقدار 493 مليون دولار (لتبلغ زهاء 7069 مليون دولار). اما في ما يتعلق بالأموال الخاصة، فبلغت الأموال الخاصة زهاء 3177 مليون دولار في شباط 2024 مقابل 5092 مليون دولار في كانون الأول 2023 و20602 مليون دولار في تشرين الأول 2019 عشية اندلاع الأزمة، وذلك نتيجة الخسائر الصافية للمصارف خلال هذه الفترة». وفي ما يخص أسواق الرساميل اللبنانية، «فقد شهدت أسواق الأسهم وسندات اليوروبوندز تحركات متفاوتة. إذ سجّل مؤشر الأسعار في سوق الأسهم تراجعاً نسبته 12.7% خلال الفصل الأول من العام 2024 في ظل ازدياد أحجام التداول بنسبة 50% بالمقارنة مع الفصل الأول من العام السابق. أما أسعار سندات اليوروبوندز فظلت مستقرة عند 6.500 سنتا للدولار الواحد على طول منحنى المردود، علماً أنها كانت قد وصلت إلى 7.875 سنتاً للدولار الواحد عشية اندلاع الصراع في قطاع غزة في 7 تشرين الأول 2023» وفق تقرير بنك عوده. وتشير التقديرات الأولية إلى أنّ القيمة الإجمالية للأضرار منذ بدء الاعتداءات تجاوزت ملياري دولار أميركي بشكل عام لـما يقارب 5000 مسكن متضرر ناهيك عن الأضرار التي طاولت البنى التحتية والزراعة. إضافة إلى ذلك، تقدر الخسائر الناجمة عن إقفال المؤسسات وتوقف الأعمال في المنطقة الحدودية بمئات الملايين من الدولارات، ما يفاقم إجمالي الخسائر المباشرة منذ 8 أكتوبر 2023». ويبدو أن قطاع الزراعة الذي يوفّر الدخل لـ 70% من الأسر داخل المنطقة الحدودية، هو الأكثر تضرراً، وفق التقرير «ناهيك عن الخسارة المستقبلية للمداخيل المترتبة عن تضرّر الأراضي الزراعية بالفوسفور، ما يجعل الأرض غير صالحة للإنتاج الزراعي. اما المحاصيل الرئيسية التي تأثرت فهي: الزيتون (وبالتالي إنتاج زيت الزيتون)، والخروب، والحبوب وغيرها من المحاصيل الشتوية. بالإضافة إلى الخسائر التي يتكبدها الإنتاج، احترقت آلاف الأشجار، ناهيك عن الخسائر الجسيمة في قطاعات الثروة الحيوانية والدواجن وتربية الأحياء المائية». أما في ما يتعلق بالتأثيرات غير المباشرة للحرب على إجمالي الاستثمار في لبنان بشكل عام، «فقد منعت الحرب المستثمرين في جميع الأراضي اللبنانية من اتخاذ قرارات استثمارية أو على أقل تقدير أدّت إلى تأخير تنفيذ القرارات السابقة. إذ بات المستثمرون في حال ترقب في ظل ضبابية الوضع الأمني داخل البلاد والذي يؤثر سلبًا على الآفاق الماكرو-الاقتصادية والمالية في لبنان. والجدير ذكره أنّ حجم الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي بلغ اليوم مستوى متدنياً أقل من 10%، وهو أحد أدنى المستويات في التاريخ المعاصر للبلاد ومن بين أقل المستويات في الأسواق الناشئة، ما يشير إلى الضعف الملحوظ في تكوين رأس المال بشكل عام. وفي ما يتعلق بأسواق الرساميل، فقد شهدت سوق سندات اليوروبوند اللبنانية عمليات بيع ابتداء من أوائل تشرين الأول، في إشارة إلى تردي نظرة المستثمر بشأن الآفاق الاقتصادية والاصلاحية وعملية إعادة هيكلة الدين». وفي ما يخص التأثيرات غير المباشرة على القطاع السياحي في لبنان بشكل عام، «كانت للحرب تبعات سلبية جسيمة على القطاع السياحي، ولا سيما أن البلاد كانت على مشارف مواسم سياحية واعدة سواء كان خلال عطلة عيد الميلاد أو خلال موسم التزلج او خلال عيدي الفصح والفطر. ويقدر بنك عوده أن تكون الإيرادات السياحية الضائعة خلال فترة الستة أشهر منذ اندلاع الحرب قد فاقت المليار دولار أميركي حتى تاريخه، وذلك على أساس انخفاض متوسط عدد السياح بنسبة 24%، علماً ان متوسط إنفاق السائح في لبنان يبلغ حوالى 3000 دولار أميركي». في هذا السياق، قامت وكالة ستاندرد آند بورز باختبار التأثير الصافي لخسارة 10% أو 30% أو 70% من إيرادات السياحة على اقتصاد لبنان، علماً أن البلاد تعتمد بشكل كبير على القطاع السياحي والذي يمثل 26% من إيرادات الحساب الجاري. فوفق السيناريو الأول، ترى وكالة ستاندرد آند بورز أنه في حال تراجعت العائدات السياحية بنسبة 10% نتيجة الصراع، سيتقلص الاقتصاد الحقيقي في لبنان بنسبة 3%. أما السيناريو الثاني والذي يفترض تراجعاً في العائدات السياحية بنسبة 30%، فسينتج عنه تقلص في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 10%. وأخيرا، يفترض السيناريو الثالث انخفاضاً في العائدات السياحية بنسبة 70%، والذي سينعكس تقلصاً في الاقتصاد الحقيقي في لبنان بنسبة 23%. في هذا الإطار وفي سياق الشح المستمر في العملات الأجنبية في لبنان، وانخفاض قيمة العملة بأكثر من 98٪ منذ عام 2019، والتضخم المفرط، والفراغ السياسي الذي طال أمده، فإن اقتصاد لبنان لا يتحمل التخلي عن تدفق العملات الأجنبية الهامة من القطاع السياحي والتي تعتبر أبرز محركات النمو للبلاد بشكل عام».