تعبئة “الحزب” لاستعادة الهيبة “تنعش” خامنئي؟

بقلم وليد شقير
«أساس ميديا»
قد يكون “الحزب” استطاع استعادة بعض الهيبة التي افتقدها بعد تعبئة مناصريه ومحازبيه للتوجّه نحو قرى ما تزال إسرائيل تحتلّها في الجنوب. فهذه الهيبة ضُربت بعد خسائره الكبرى جرّاء سوء حسابات حرب “الإسناد” التي خاضها على مدى 14 شهراً، وإثر الزلزال السوري.
انتهت الحرب بإصراره على وقف النار، وبتخلّيه عن شرط وقف الحرب الإسرائيلية ضدّ غزة، وقبل 7 أسابيع من صفقة التبادل في القطاع.
إلّا أنّ المواجهة السلمية التي خاضها أوّل من أمس مع الجيش الإسرائيلي طرحت أسئلة عن إمكان تجدّدها على المستوى العسكري. هذا علاوة على أنّ لها مفاعيل داخلية بموازاة أولويّة الانسحاب الإسرائيلي من القرى الحدودية.
على الرغم من سقوط 22 شهيداً وزهاء 124 جريحاً في حملته، أثبت “الحزب” أنّه ما زال يتمتّع بحضانة جزء وازن من الطائفة الشيعية. فهذا الجزء تحدّى بإصرار الرصاص الإسرائيلي، مقابل الأسئلة عن مدى انفكاك بعض حاضنته عنه جرّاء النتائج الكارثية للحرب.
انضمام الدّولة إلى “المقاومة المدنيّة”
اعتمد “الحزب” أسلوب المقاومة المدنية لتجييش محازبيه، مع نهاية مهلة الستّين يوماً لانسحاب الاحتلال. بذلك تجنّب التحذيرات من التسبّب بفلتان آلة الهمجية الإسرائيلية مجدّداً، ومن إسقاط اتفاق 27 تشرين الثاني لوقف الحرب. وفي كلّ الأحوال حجب الأنظار عن تذمّر جمهوره الواسع من النتائج الكارثية للحرب، وكان قام بحملته بصرف النظر عن الخسائر بالأرواح، ليسجّل لمصلحته جملة نقاط:
• كانت الدولة اللبنانية تركّز على الاتصالات الدبلوماسية، لا سيما تلك التي أجراها الرئيس جوزف عون، لحمل إسرائيل على الانسحاب تطبيقاً لاتّفاق وقف النار. لكنّ حملة العودة إلى القرى دفعت أركان الدولة جميعاً إلى الانضمام لحملة الأهالي الذين تحدّوا الاحتلال. هذا ما ظهر في مواقف عون ورئيسَي البرلمان نبيه برّي والحكومة نجيب ميقاتي، والرئيس المكلّف نوّاف سلام. وشدّد خطاب نوّاب وقادة “الحزب” أثناء مواجهة إسرائيل للساعين إلى دخول قراهم بالرصاص على أنّ ما قام به أتى بالموقف الرسمي إلى ملعبه.
التزام واشنطن بالتّفاوض على أسرى “الحزب”
• إنّ المراهنة على نجاح الضغط الدولي في إجبار إسرائيل على الانسحاب وفقاً لنصّ اتّفاق وقف الحرب كانت نتيجتها الخيبة. فعلى الرغم من الحديث عن أنّ الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب سيصرّ على انسحاب إسرائيل وفقاً للاتّفاق، ودعوات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنيامين نتنياهو، كانت النتيجة الخيبة. بل إنّ البيت الأبيض في بيانه مساء الأحد عن تمديد وقف اتّفاق النار حتى 18 شباط المقبل، أشار إلى أنّ “الولايات المتحدة ستتفاوض مع إسرائيل ولبنان من أجل إعادة المعتقلين اللبنانيين الذين أسرهم الجيش الإسرائيلي، بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر. وهذا مكسب لـ”الحزب”، بعدما كان الجانب الإسرائيلي رفض تضمين نصّ اتفاق وقف الحرب في مفاوضات تشرين الثاني الماضي مع الوسيط الأميركي آموس هوكستين. وكان الرئيسان بري وميقاتي طرحا الأمر مرّات عدّة من دون نتيجة. حتّى إنّ ميقاتي، حسب قول مصادر دبلوماسية لـ”أساس”، طلب من الفاتيكان أن يلعب دوراً في هذا المجال. ولذا باستطاعة “الحزب” أن يتغنّى بدور الحملة المدنية التي قادها في قرى الجنوب في اليومين الماضيين في التوصّل إلى هذا الالتزام الأميركي.
انتعاش خامنئي
• في بعض القرى اضطرّ الجيش اللبناني إلى مواكبة أو تصدّر اندفاع العائدين إليها، للدخول معهم إليها. انطلقت الحملة في ظلّ التزام “الحزب” أن ينسجم الأهالي مع “تعليمات” الجيش اللبناني، التي كانت تعني عدم تجاوز حواجزه على مداخل القرى التي ما يزال الإسرائيليون يُسيطرون عليها. لكنّ الأمر انتهى في بعض القرى إلى تجاوز حواجزه، أو إلى مواكبة الجيش دخول أنصار “الحزب” إلى هذه القرى.
• استعادة “الحزب” قدرته على التعبئة لجمهوره ينتظر أن تتوالى من خلال مواصلة تجييش الأهالي جنوباً، كما حصل أمس، وأبرز محطّاتها في الأسابيع المقبلة تشييع أمينه العامّ الراحل السيّد حسن نصرالله. وهو يستعيد مظهر العودة الشعبية العارمة للجنوبيين إلى قراهم فور وقف النار بعد حرب تموز 2006.
• إنّ تحرّك “الحزب” أنعش الخطاب الإيراني بعد أسابيع من التخبّط. فقادة “حرس الثورة” لم يتوانوا عن الإقرار بالخسائر الفادحة التي تعرّضوا لها، لا سيما في سوريا، بعد لبنان. لكن أوّل من أمس سمحت المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي لمرشد الثورة علي خامنئي أن يعلن بأنّ “اليوم، سُحقت كلّ المعادلات السياسيّة والحسابات الماديّة أمام الشعب المؤمن والمخلص في جنوب لبنان، الذي لم يَعْبَأ بالجيش الصهيوني الغاصب، وحمل روحه إلى الميدان بإيثار وثقة بالوعد الإلهي”. وكان المرشد قال في شهر كانون الأوّل الماضي إثر سقوط النظام السوري: “المقاومة ستزداد استحكاماً وحافزاً أمام الضغوط والجرائم وستتّسع دائرة المقاومة وتشمل كلّ المنطقة”.
مخاطر تجدّد الحرب؟
مع كل الإيجابيّات التي حصدها “الحزب” من حملة التعبئة التي قام بها، فإنّ ما حصل يطرح تحدّيات أخرى بعضها له أبعاد خطيرة:
• أن يستخدم “الحزب” حملة اندفاع الأهالي لانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من قراهم، لخرق اتّفاق 27 تشرين الثاني. فلطالما كانت حجّته السابقة تعذّر سحب المسلّحين، حتّى من جنوب الليطاني، لأنّ هؤلاء هم من أهالي القرى والبلدات الحدودية. وهذا يقود استطراداً إلى الامتناع عن سحب السلاح أيضاً حتى من جنوب الليطاني، كما حصل في عدم تنفيذ القرار 1701 منذ 2006، الذي أدّى إلى الحرب التي شهدها لبنان منذ 8 تشرين الأوّل 2023. ويحمل ذلك مخاطر تجديد الحرب الذي يدعو إليه الوزراء المتطرّفون في حكومة إسرائيل. فبعض الأوساط السياسية في لبنان تخشى أن يؤدّي تحايل “الحزب” على تنفيذ اتّفاق وقف الحرب، مثلما تحايل على تطبيق القرار 1701 على مدى 18 عاماً، إلى إطلاق واشنطن العنان للآلة العسكرية الإسرائيلية مجدّداً. ويستند أصحاب هذه المخاوف إلى القرار الأميركي بإنهاء الدور العسكري لأذرع إيران في المنطقة. ويرتكزون على أنّ ترامب، على الرغم من رغبته بإنهاء الحروب، أكثر تشدّداً بأشواط حيال طهران من الإدارة الديمقراطية الراحلة.
التّوظيف الدّاخليّ لحملة التّعبئة
• كان يمكن للتعبئة الاستثنائية التي أثبت “الحزب” قدرته على القيام بها عبر تنظيمه حملة العودة إلى القرى التي أخّرت إسرائيل إخلاءها، أن تنحصر بهدف استعادته الهيبة التي خسرها بفعل خسائر الحرب. إلّا أنّه أتبعها ليل الأحد بمظاهر التوظيف الداخلي لتلك الحملة. فبموازاة قيام ناشطيه برفع الأعلام الحزبية وصور السيّد نصرالله بكثافة، ورفعهم شعاراته، سيّر الدّرّاجات النارية لمناصريه الذين لا يتحرّكون إلّا بأوامر جهاز التعبئة، حاملين أعلامه وشعاراته، إلى مناطق البيئات الأخرى في بيروت. فقد أثار ذلك حفيظة مجموعات في تلك المناطق لاستعادته مظاهر الصراع الأهلي إبّان سنوات الغلبة السابقة. فمنظر الدرّاجات النارية التي اقتحمت فرن الشبّاك، عين الرمّانة، الجمّيزة، الدورة، وساقية الجنزير في العاصمة، استعاد حساسيّات طائفية ومذهبية ساعدت الحرب الإسرائيلية على تراجعها حين استبدل “الحزب” غزوات درّاجاته بالطائرات المسيّرة التي قصف بها إسرائيل.
• في وقت تساءل كثر عن مدى تأثير حملة “الحزب” التعبوية على تأليف الحكومة، جزم أكثر من مصدر سياسي لـ”أساس” أنّها لن تؤثّر على موازين هذا الاستحقاق. فهي لن تغيّر في الموازين الداخلية وفق المعايير التي يمضي الرئيس نواف سلام في اعتمادها لاستيلاد الحكومة.
• أمام “الحزب” تحدّي أن يقرن الأقوال بالأفعال مرّة أخرى. فقادته تركوا لـ”الدولة” أن تتابع مسألة الانسحاب الإسرائيلي، وميقاتي أعلن التزامها تمديد اتّفاق وقف النار حتى 18 شباط المقبل بعد اتّصالاته مع الأميركيين. فهل يلتزم “الحزب” هذا التمديد في لعبة كسب الوقت وتعزيز موقعه السياسي؟
وليد شقير