بقلم إيمان شمص
«أساس ميديا»
لم يُخفِ الرئيس الأميركي دونالد ترامب إعجابه بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان. ظهر قبل أيّام أمام الكاميرات في المكتب البيضاوي إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقال: “تربطني علاقة رائعة برجل يُدعى إردوغان. أنا معجب به وهو معجب بي. ولم تكن بيننا أيّ مشكلة. إنّه رجل قويّ وذكيّ للغاية. لقد فعل شيئاً لم يستطع أحد فعله خلال ألفَي عام، وهو السيطرة على سوريا”.
إعجاب ترامب بالزعماء الأقوياء واضح وعلنيّ. سعى خلال ولايته الأولى إلى بناء علاقات وثيقة مع قادة خصوم الولايات المتحدة التقليديين، بمن فيهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني شي جين بينغ، والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.
لكنّ الإعلان عن إعجاب ترامب بإردوغان، الذي يأتي في سياق محاولات الولايات المتّحدة تحسين العلاقات بين تركيا وإسرائيل استعداداً لأيّ حرب ضدّ إيران، يكتسب أهمّية خاصّة، لأنّه جاء ليطمئن نتنياهو إلى أنّ سوريا لن تستخدمها تركيا قاعدةً لشنّ هجوم على إسرائيل، كما قالت صحيفة “بيرغون” التركية.
أين يقع “الحبّ” في العلاقات بين الدول؟ فما نراه ظاهرة تناقض الأعراف الدبلوماسية المألوفة. وبدلاً من إصدار بيان بارد مثل بيانات المتحدّث باسم وزارة الخارجية أو البنتاغون الذي يقول: “نحن ملتزمون الحفاظ على تحالفنا مع شريكنا الاستراتيجي إردوغان”، يقول ترامب بصراحة ما يدور في ذهنه. وهو يريد بهذه الكلمات القول إنّه قادر على إدارة إردوغان، وإنّه قادر على وضعه حيث يشاء.
بوصفه إيّاه بأنّه “رجل قويّ وذكيّ”، فهو يعني في جوهره أنّه حتّى لو كان يتحدّث بجرأة ويصرخ أحياناً ضدّ أميركا، فإنه يتمتّع بعقليّة قادرة على استيعاب الواقعية السياسية ومتطلّبات البيت الأبيض. إنّه يلمّح إلى نتنياهو بالقول: “لا تُبالِ بسلوكه الصارم، فهو يعرف ما يجب فعله. وإن لم يفعل، فأنا أعرف كيف أجعله يفعل”.
نموذج الحلّ
أكّد ترامب هذا التلميح في جزء آخر من خطابه. ففي حديثه مع نتنياهو استذكر قضيّة القسّ برونسون. قال ترامب: “تذكّروا، لقد استعدنا قسّنا من تركيا. كان الأمر بالغ الأهمّية آنذاك”. مارس ترامب ضغطاً كبيراً على تركيا لإطلاق سراح برونسون. وربط مشاركة تركيا في برنامج إف-35 بإطلاق سراحه. وعندما وُضع برونسون تحت الإقامة الجبرية، لم تقبل واشنطن بذلك. وجّه نائب الرئيس ترامب، مايك بنس، رسالة إلى إردوغان والحكومة التركية، نيابةً عن رئيس الولايات المتحدة الأميركية، يقول فيها: “أطلقوا سراح القسّ أندرو برونسون الآن، أو استعدّوا لمواجهة العواقب. ستفرض الولايات المتحدة عقوبات على تركيا”. أعقبه ترامب بتهديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي بفرض “عقوبات كبيرة على تركيا لاعتقالها الطويل للقسّ أندرو برونسون”، تبعه وضع سليمان صويلو ووزير العدل عبدالحميد غول على القائمة السوداء. لم تتحمّل حكومة حزب العدالة والتنمية الضغط لفترة طويلة، بعد ما يقرب من عامين في السجن، فتمّ إطلاق سراح برونسون في تشرين الأوّل 2018.
هذه الحادثة ذكرها ترامب أيضاً في نصيحته لإردوغان بعدم مواجهة مشاكل مع الأكراد في شمال شرق سوريا، حين وجّه إليه رسالة بالكلمات التالية: “سيّدي الرئيس، دعنا نعقد صفقة جيّدة! أنت لا تريد أن تكون مسؤولاً عن ذبح الآلاف من الناس، ونحن لا نريد أن نكون مسؤولين عن تدمير الاقتصاد التركي، لكنّنا سنفعل. لقد أعطيتك بالفعل مثالاً صغيراً في حادثة القسّ برونسون”.
لم يذكر ترامب مثال حادثة برونسون من دون سبب أثناء إشادته بإردوغان، فهو يشكّل “نموذج الحلّ” الذي يطرحه ترامب لتركيا. يُؤكّد أنّه إذا أراد إقناع إردوغان بشيء، فهو يعتقد أنّه يستطيع النجاح باستخدام هذا النموذج. لهذا السبب طلب من نتنياهو التزام الهدوء بشأن تركيا. ففي النهاية، لا يُشيد رئيسٌ مُراوغٌ مثل ترامب بزعيم دولة أخرى إلّا إذا كان يعرف كيف يحصل على نتائج منه.
إيمان شمص