ترامب يحمي نتنياهو في المحاكم الدولية؟

بقلم محمد السماك

«أساس ميديا»

ماذا بعد الحرب الإسرائيلية على غزة؟ يعطّل الجواب على هذا السؤال عدم توفّر تفاهم متّفق عليه دوليّاً وإقليمياً. ويكاد الأمر ينحصر في قضيّة تقرير مصير بنيامين نتنياهو شخصيّاً. إذ إنّ الرجل مطلوب للمحاكمة أمام المحاكم الإسرائيلية بتهم ارتكاب جرائم فساد ورشوة وتزوير. وهو في الوقت ذاته متّهم أمام المحكمة الدولية بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية والإبادة الجماعية.

إنّ الملجأ الوحيد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو حضن الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فهو وإن كان عاجزاً عن ليّ ذراع القضاء الإسرائيلي، فإنّه ذهب في الدفاع عن نتنياهو أمام القضاء الدولي إلى حدّ التشهير بهذا القضاء ورجالاته وفرض عقوبات عليهم لأنّهم وصفوا الجرائم الإسرائيلية في غزة بأنّها جرائم ضدّ الإنسانية.

سبق للولايات المتحدة، القوّة الكبرى في العالم، أن تمرّدت على القضاء الدولي. حدث ذلك أخيراً إثر الاتّهامات التي وُجّهت إليها، حتّى من مصادر أميركية، بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية في العراق (معتقل أبو غريب) في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن.

في عام 2002 أصدرت المحكمة الدولية حكماً بالالتزام باحترام الحصانة الشخصية لرئيس الدولة المتّهم ما دام داخل دولته ويمارس السلطة. ولكن ما إن يصبح رئيساً سابقاً تسقط عنه الحصانة الدولية ويصبح طريد العدالة الدولية. وهو ما يحاول نتنياهو تجنّبه من خلال حرصه الشديد على البقاء في السلطة، وتحت المظلّة الأميركية.

الجرائم الإنسانيّة تتجاوز الحصانات

غير أنّ القانون الدولي يعتبر أنّ الجرائم ضدّ الانسانية لا تخضع لهذه الإجراءات الاستثنائية. فمحاكم نورمبرغ (التي جرت في عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية) رفضت إعفاء المسؤولين النازيّين من المسؤولية عن ارتكاب جرائم الحرب وغيرها من جرائم الإبادة الجماعية. ويشكّل هذا الرفض قاعدة قانونية اعتمدت عليها المحكمة الدولية منذ ذلك الوقت في محاكمات الجرائم التي ارتُكبت في أميركا الجنوبية (الأرجنتين وأوغيستو بينوشيه في التشيلي مثلاً)، أو في افريقيا (أحمد حسن البشير بالسودان، حسين هبري بالتشاد، وتشارلز تايلور بليبيريا)، أو في أوروبا (سلوبودان ميلوسوفيتش بصربيا) وغيرهم. وما ينطبق على هؤلاء ينطبق على نتنياهو، حتّى لو كان تحت الحماية الأميركية.

كانت المحكمة الدولية قد قرّرت محاكمة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش نفسه، على الرغم من أنّ الولايات المتحدة ليست عضواً في المحكمة، وعلى الرغم من أنّها لم توافق على إنشائها. وذلك على أساس أنّ الجرائم ضدّ الإنسانية لا تعرف حصانة سياسية. ولم يكن قرار محاكمته بسبب جرائم ارتكبتها قوّاته في العراق (فالعراق لم يكن عضواً في المحكمة)، لكن بسبب جرائم ارتكبتها هذه القوّات في أفغانستان، وهي عضو في المحكمة.

بموجب نظام المحكمة التي أُقيمت في روما عام 1998، لا تتمتّع بصلاحيّات مطلقة. فهي تستطيع أن تنظر فقط في جرائم ضدّ الإنسانية ارتكبتها دولة عضو في المحكمة. إسرائيل، على خلاف الولايات المتحدة، هي عضو في المحكمة، وبالتالي تخضع حتماً لقوانينها وأنظمتها. تستطيع الولايات المتحدة التي امتنعت عن العضوية أن تقول ما تشاء، غير أنّ إسرائيل مضطرّة إلى الخضوع لأحكامها.

بطل قوميّ

من هنا تنتظر “فكّا الكمّاشة” القضائية الدولية والإسرائيلية الإطباق على نتنياهو ما إن تقف الحرب في غزة، وهو ما لا يريده ويسعى إلى تعطيله.

يريد نتنياهو أمرين يعتقد أنّه إذا تمكّن من تحقيقهما فسينصّب نفسه بطلاً قومياً إسرائيلياً. الأمر الأوّل هو إخراج حماس من غزة وتصفية جيوبها في الضفة الغربية. والأمر الثاني هو تجريد القطاع من السلاح وفرض حراسة دائمة لمنع تهريب السلاح إليه مرّة جديدة.

حاول الرئيس الأميركي أن يطبّق أمراً ثالثاً يعزّز تطلّعات حليفه نتنياهو إلى أن يكون بطل إسرائيل ومخلّصها المنتظر.. وهو تهجير أهالي غزة إلى أيّ مكان آخر في العالم. ولكنّ محاولته باءت بالفشل حتى الآن. فمع انتهاء الحرب ببقاء غزة فلسطينية، يعود نتنياهو متّهماً بالفساد والتزوير أمام المحكمة الإسرائيلية، ومتّهماً بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية أمام المحكمة الدولية.. فأين المفرّ؟

أينما توجّه نتنياهو ثمّة سيف العدالة بانتظاره. وقد يؤخّر المحاكمة أو حتى إصدار الأحكام، لكنّه لن يستطيع أن يلوي ذراع العدالة الدولية. هنا لا توجد مظلّة أميركية لحمايته، لأنّ الولايات المتحدة ليست عضواً في المحكمة منذ تأسيسها في روما في عام 1998 حتّى اليوم. وتقوم المعارضة الأميركية للمحكمة على أساس أنّ الولايات المتحدة لا تُخضع رعاياها، مسؤولين سياسيين وعسكريين، لمحاكمات خارجية. فالأميركي لا يخضع إلّا لقانون أميركي، ولا يُحاسب إلّا أمام قضاء أميركي. مع ذلك تعطي الولايات المتحدة نفسها حقّ الطعن والتشهير بقرارات المحكمة الدولية إذا وجدت فيها ما لا يسرّها أو يرضيها. ومحاكمة نتنياهو أمر لا يسرّ ولا يرضي الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

محمد السماك