ترامب يتهيّأ لإعلان الانتصار بعد 100 يوم

بقلم موفق حرب

«أساس ميديا»

يريد الرئيس دونالد ترامب أن يظهر في ذكرى مرور مئة يوم على تسلّمه الرئاسة بأنّه أعاد الولايات المتحدة إلى موقع القيادة العالمية وأوقف المسار الانحداري كما وعد في حملته الانتخابية.

مع اقتراب ترامب من إكمال 100 يوم في ولايته الثانية، قامت إدارته باتّخاذ سلسلة من الإجراءات الحاسمة على الصعيدين المحلّي والدولي، بهدف إظهار القوّة وإعطاء الأولوية للمصالح الأميركية، ومن خلالها يستطيع القول إنّ الولايات المتحدة استعادت هيبتها في العالم. لكنّ إجراءات إدارة ترامب بدأت تثير هواجس وقلق الحلفاء في العالم، وتحديداً في أوروبا، إذ بدأ أعضاء الاتّحاد الأوروبي يفكّرون في كيفية مواجهة إجراءات ترامب التي تهدّد أمن أوروبا، واحتواء موجة صعود اليمين المتطرّف الذي يتلقّى دعماً معنويّاً، حتى الآن، من قبل مسؤولين في إدارة ترامب.

في هذا السياق أيضاً، يمكن تفسير تصريحاته بضرورة الإفراج عن جميع الأسرى في وقت واحد التي أربكت حكومة نتنياهو، بأنّها تسمح له بالقول إنّه أنهى أزمة الرهائن الذين اختطفتهم حماس في 7 أكتوبر، خشية أن تعمد حركة حماس إلى شراء الوقت والتمسّك بورقة التبادل، وأيضاً لتجنّب تحمّل مسؤولية إفشال اتّفاق وقف النار، عندما دعا إلى نقل الفلسطينيين إلى خارج غزّة واستضافتهم.

أمّا على صعيد السياسة الخارجية، فقد أطلقت إدارته حملة دبلوماسية من أجل وقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتدرس الإدارة عقد قمّة سلام بين الولايات المتحدة وروسيا في العاصمة السعودية، وهو ما يشير إلى تحوّل محتمل في التحالفات الدبلوماسية التقليدية.

مستقبل النّظام الدّوليّ

لقد أطلقت إدارة ترامب حملة من أجل ترحيل المهاجرين غير الشرعيين من دول أميركا اللاتينية والهند. وتسبّبت سياسات الإدارة غير المتوقّعة بخلق حالة من عدم اليقين على الساحة الدولية. وقد أدّت الحروب التجارية وتوتّر العلاقات مع حلف الناتو والمقترحات المثيرة للجدل إلى زعزعة الاستقرار العالمي، وهو ما دفع الدول إلى إعادة تقويم استراتيجيّاتها الجيوسياسية.

تثير أجندة “أميركا أوّلاً” للرئيس ترامب وأساليبه في الإدارة تساؤلات عن مستقبل النظام الدولي الذي تمّ إنشاؤه بعد الحرب العالمية الثانية. فمن خلال تحدّي التحالفات القديمة، واتّباع سياسات تجارية حمائية، وإظهار استعداد للتفاوض المباشر مع الخصوم التقليديين، يبدو أنّ الإدارة تسعى لإعادة تشكيل الدور الأميركي في العالم. وقد أدّى هذا النهج إلى نقاشات في كون هذه السياسات تقوّض النظام العالمي القائم أو تمثّل إعادة توازن ضرورية للعلاقات الدولية.

تعكس ولاية الرئيس ترامب الثانية التزاماً بإعادة تشكيل الحكم المحلّي والانخراط الدولي، مع التركيز على المصالح الوطنية والاستعداد لكسر الأعراف التقليدية.

على هذا الصعيد، أثار اقتراح الرئيس ترامب الأخير بشأن غزة تعقيدات كبيرة في مستقبل عملية السلام في الشرق الأوسط. ففي 4 شباط 2025، أعلن خطةً لاستحواذ الولايات المتحدة على قطاع غزة وتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”. وتشمل هذه الخطّة نقل حوالي 2 مليون فلسطيني إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن أثناء إعادة الإعمار. وقد أعربت كلّ من مصر والأردن عن رفضهما القاطع لهذا الاقتراح، مشيرَين إلى مخاوف تتعلّق بالسيادة والاستقرار الإقليميَّين.

لقد قوبلت الخطّة بانتقادات دولية واسعة. إذ حذّر الأمين العامّ للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أنّ النقل القسري هذا قد يرقى إلى مستوى التطهير العرقي. ورفضت دول أوروبية، مثل ألمانيا والمملكة المتحدة وإسبانيا، هذه الفكرة، مؤكّدة أهمّية حلّ الدولتين وحقّ الفلسطينيين في البقاء في أرضهم.

سباق مع الانتخابات النّصفيّة

لم تؤدِّ هذه المبادرة إلى توتّر العلاقات الأميركية مع حلفائها الرئيسيّين في الشرق الأوسط وحسب، بل أثارت أيضاً تساؤلات عن مستقبل النظام الدولي الذي أُسّس بعد الحرب العالمية الثانية. فمن خلال تحدّي الأعراف الدبلوماسية التقليدية والتحالفات القائمة، يبدو أنّ الرئيس ترامب يسعى لإعادة تعريف دور الولايات المتحدة على الساحة الدولية لأنّه يعتقد أنّ حلفاء أميركا استغلّوا استعداد الولايات المتحدة لقيادة العالم على حساب الاقتصاد الأميركي وأضعفوا مكانتها وقدراتها التنافسيّة. يستطيع ترامب الذي يسعى لتحقيق أكبر عدد من الإنجازات في أسرع وقت أن يتبنّى عدداً من الخطوات التي كان توعّد بها في حملته الانتخابية. فعلى صعيد الإنجازات المحلّية قام بـ:

  • إنشاء “وزارة كفاءة الحكومة” (DOGE)، التي أدّت إلى تخفيض كبير في نفقات الحكومة، وتمّ القضاء على ما يقرب من مليار دولار من الهدر يوميّاً.
  • فرض تعريفات جمركية كبيرة، بما في ذلك ضريبة بنسبة 25% على واردات الصلب والألمنيوم، لحماية الصناعات المحلّية، والعمل على جعل الولايات المتحدة رائدة في مجال العملات الرقمية من خلال إزالة القيود التنظيمية. وأصدر ترامب عدداً من الأوامر التنفيذية لإلغاء برامج التنوّع والمساواة والشمول (DEI)، وتخفيف اللوائح الفدرالية، وإدخال تغييرات على نظام التوظيف الفدرالي.

من الواضح أنّ ترامب يريد الإسراع بتحقيق أكبر عدد من الإنجازات المحلّية قبل الانتخابات النصفيّة، خشية أن ينجح الديمقراطيون في استعادة أيّ من مجلسَي الكونغرس. وفي انتظار أن ينجح الديمقراطيون في تنظيم صفوفهم وإطلاق معارضة جدّيّة ضدّ أجندة ترامب، أو أن يظهر تكتّل سياسي دولي لمواجهة الولايات المتحدة، يستمرّ الرئيس الأميركي بفرض أجندته المحلّية والخارجية دون أيّ رادع يذكر.

موفق حرب