كتب عوني الكعكي:
سقوط الأسد تطوّر مُذْهل وزلزال إقليمي كبير في الشرق الأوسط. فهل يعيد سقوط بشار الأسد، رسم خارطة الشرق الأوسط؟ وما تداعيات هذا السقوط على المنطقة؟
للإجابة عن هذين السؤالين، لا بدّ من التركيز على أهمية هذا السقوط المدوي للرئيس السوري الهارب بشار الأسد.
إنّ الهجوم الخاطف الذي توّج بالإطاحة بالأسد، لم يستغرق سوى 12 يوماً… لم يكن أحد يتوقع هذا التسارع في التاريخ، ويتعيّـن علينا أن نأمل بأن تعمد الجماعات المعارضة الى توحيد صفوفها، كي لا تقع سوريا في احداث شبيهة لما حدث في العراق بعد إسقاط الاميركيين لرئيسه صدّام حسين عام 2003.
إنّ ما حدث في سوريا كان مفارقة تاريخية قاسية، فبشار صاحب الأيدي الملطخة بالدماء الذي هرب يوم الاحد الثامن من ديسمبر/ كانون الاول، بعد أن أمضى ربع قرن في السلطة في سوريا، وبعد أن دمّر شعبه وسحق بلاده، لم يكن مهيّأً لأخذ زمام السلطة.
حقاً إن ما حدث في سوريا، كان تطوّراً مذهلاً وزلزالاً كبيراً.. وقد أنعشت هذه الثورة آمال السوريين من جديد، بعد عهد كارثي غاشم في ظل حكم بشار.
ونعتقد أن ما حدث يمثّل أهم مواجهة حتى الآن في الصراع على إعادة صياغة المنطقة التي اشتعلت مع «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023. وهنا نشير الى أن لدى الدول الفاعلة الرئيسة في المنطقة: إسرائيل وإيران وتركيا مصالحها في ما ستؤول إليه التطورات في سوريا من تداعيات التي لن يقتصر تأثيرها على الشرق الأوسط فحسب، بل ستمتد حتماً الى قوى عالمية مثل الولايات المتحدة الاميركية وروسيا.
بالنسبة لإسرائيل، فإنّ الاستراتيجيين يصفون سوريا بأنها محور كل المحاور لأنها كانت -حسب زعمهم- بمثابة ممر إمداد مناطق وفئات في لبنان (حزب الله) بالسلاح والرجال. لذا فإنّ ردّ إسرائيل جاء فوراً… احتلال المنطقة العازلة والسيطرة على القسم المرسّم سورياً من جبل الشيخ والحبل على الجرّار.
وتدرك إيران جيداً، أنها بخسارة بشار الأسد، ومن ثمّ نفوذها على دمشق، فإنّ اللعبة انتهت بالنسبة لمحاولاتها تحصين وكلائها من الفصائل الشيعية في لبنان والعراق واليمن، التي كانت تهدد إسرائيل حسب مزاعم الدولة العبرية.
أما تركيا.. فقد انتهزت الفرصة لزيادة نفوذها، في وقت كانت إيران فيه محاصرة، فهي (أي تركيا) تريد عودة أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري الى ديارهم بعد فرارهم منها الى تركيا خوفاً من «الأسد».
ويبدو أن سقوط بشار الأسد في سوريا سيكون نعمة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ففي معظم عواصم منطقة الشرق الأوسط، أثارت أنباء سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد قلقاً هائلاً. لكن أنقرة ليست واحدة من هذه العواصم. فبدلاً من القلق، يرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فرصة في مستقبل ما بعد الأسد، وتفاؤله له ما يبرره. فمن بين جميع اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، تمتلك أنقرة أقوى قنوات الاتصال وتاريخ العمل مع الإسلاميين الذين يتولون السلطة الآن في دمشق. ما يجعلها في وضع يسمح لها بجني فوائد زوال نظام الأسد.
فمن بين القوى الرئيسية التي أنهت حكم الأسد يوم الأحد في الثامن من كانون الأول (ديسمبر)، «هيئة تحرير الشام»، وهي جماعة إسلامية كانت تابعة سابقاً لتنظيم القاعدة، ومدرجة كمنظمة إرهابية في تركيا وأميركا والأمم المتحدة. وعلى الرغم من هذا الإدراج، قامت تركيا بتقديم مساعدات غير مباشرة لهذه المنظمة. فقد ساهم الوجود العسكري التركي في مدينة إدلب الى حد كبير في حماية هذه الجماعة، من هجمات القوات الحكومية السورية، مما سمح لها بإدارة المحافظة من دون إزعاج.
كل هذا أعطى تركيا نفوذاً على «هيئة تحرير الشام». لقد كانت مسيرة أردوغان نحو النفوذ في سوريا صعبة. فبعد اندلاع الانتفاضة عام 2011، أصبحت أنقرة متحمسة للمعارضة المناهضة للأسد، حيث قدمت المساعدات المالية والعسكرية للجماعات المتمردة، بل وسمحت لها باستخدام الأراضي التركية لتنظيم وشنّ الهجمات.
اليوم ومع رحيل الأسد، تحوّل توازن القوى بسرعة لصالح أردوغان.
إنّ انهيار الأسد من شأنه أن يعزّز موقف تركيا في العلاقات مع إيران أيضاً. فقد كانت الدولتان منذ فترة طويلة خصمين إقليميين في سوريا. لكن إيران أصبحت اليوم ضعيفة: أولاً بسبب الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان، والتي وجهت ضربة الى محور المقاومة الذي تقوده طهران. والآن بسبب الإطاحة بالأسد الذي كان حليف إيران الوفي. لعبت سوريا دوراً مهماً في استراتيجية إيران في دعم الجماعات المسلحة والوكلاء في المنطقة، مما جعل خسارة الأسد طعنة في صميم الجمهورية الإسلامية. بالإذن من خامنئي الذي يرى عكس ذلك ولا نعلم على أي أساس بنى موقفه.
أما روسيا… فإنها ستواجه مشكلة صعبة… وقد يكون الشك قد بدأ يتسرّب إليها مسبّباً تراجعاً في ثقتها في الاستمرار في سوريا كما كانت، وهو ما اتضح من مطالبتها لمواطنيها بمغادرة سوريا قبل يومين من فرار الأسد.
غير أن روسيا وإيران لم تكونا الدولتين الوحيدتين اللتين أمرتا رعاياهما بالجلاء عن سوريا، فالولايات المتحدة انضمت إليهما أيضاً. لكن واشنطن تمرّ الآن بفترة انتقالية بين إدارتين، حيث أشار الرئيس المقبل دونالد ترامب ذات مرّة الى سوريا على انها «بلد الرمال والموت».
ويتضح من خلال انتصار الثورة في سوريا، أن حزب الله اللبناني كان -إضافة لإيران- الخاسر الأكبر نتيجة هذه الثورة. إذ بعد توقيع لبنان وإسرائيل اتفاقية وقف إطلاق النار، إثر حرب استنزفت «الحزب» وقادته الكبار وكادره القيادي، وخروجه منهكاً من حرب المساندة هذه… فوجئ بثورة سوريا على نظام بشار الأسد، فحاول عبثاً إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بإرسال عناصر من «الرضوان» الى «القصير»… لكن سبق السيف العذل (كما يُقال) وكان انتصار الثورة السورية السريع، «ضربة معلم»، أعادت عناصر الحزب الى لبنان، آخذين معهم كل ما كانوا قد نقلوه سابقاً الى القصير، فعاد الحزب «خائباً»… يغني موّاله القديم «لو كنت أدري».
aounikaaki@elshark.com