كتب عوني الكعكي:
هناك سؤال بسيط هو: ما هو أهم صناعة تعطي أكبر مردود مادي في العالم؟
الجواب بسيط جداً… إنها صناعة الأسلحة، أما لماذا؟
فإنّ الجواب بسيط أيضاً، ولنأخذ مثلاً ان دولة عظمى عندها مصانع للغسّالات والبرادات والأدوات الصحّية وغيرها، فماذا تعطي هذه الصناعة من مردود مادي للاقتصاد؟ الجواب، انها تعطي أموالاً معقولة، ولكنها مقارنة مع صناعة الأسلحة، فإنّ الدولة التي تصنع دبابات يعود إليها الربح كبيراً، فما هو سعر الدبابة؟ وكم هو سعر البراد أو التلفزيون؟ وكم براد أو تلفزيون يجب أن تبيع لتصل الى ثمن دبابة واحدة؟
نعطي مثلاً آخر: ماذا عن صناعة الطائرات الحربية… ولنأخذ مثل F-35 كم هو سعرها؟
يُقال إنّ السعر هو أكثر من 35 مليون دولار، ببساطة كم تلفزيون وكم براد وكم غسّالة علينا أن نبيع لنصل الى ثمن طائرة عسكرية واحدة؟
لذلك، نرى ان الدول العظمى مثل أميركا وروسيا والصين وكوريا يكون اهتمامها الأول منصبّاً على صناعة الاسلحة، والسبب هو المردود المالي:
أولاً وكذلك للسيطرة على الأسواق العالمية، وكي تحاول الدولة الأولى المصدّرة للسلاح السيطرة على أكبر عدد من الدول التي تحتاج الى مثل هذه الأسلحة.
من هنا، نرى ان الدول العظمى بحاجة الى إقامة حروب بين الدول الصغرى كي تبيع أسلحتها وتستفيد.
لذا، فإنّ قيام إسرائيل كان ينحو الى هذا الاتجاه. فلو استعملت الدول العربية أموالها في هذا المجال لكان العرب أسياد العالم. ولو تمّت الوحدة بين السودان وليبيا ومصر، لكانت جمعت اليد العاملة المصرية والمال الليبي والأراضي الزراعية السودانية، لكانت هذه الدول اليوم من أغنى دول العالم. ونتذكر أيضاً السباق على التسلّح بين أميركا وروسيا، فلأنّ أميركا متفوّقة على روسيا، فإنّ روسيا تحوّلت الى أماكن للثورة.
في التسعينات خرجت روسيا من سباق التسلّح، واضطرت أن تشحد “الطحين” من أميركا، لأنّ أميركا كانت أغنى بسبب سلاحها الذي بيع أكثر وكان معروفاً أكثر وأفضل من السلاح الروسي، وهذا لا يقلّل من أهمية السلاح الروسي.
حاولت روسيا عندما دخلت سوريا تطوير بعض الأسلحة خاصة منظومة الصواريخ، ولكن لا تزال الولايات المتحدة متفوّقة ومتقدمة بمراحل عن جميع دول العالم.
وللتدليل على ما أقول، ما أعلنه المرشح للكونغرس الأميركي دانييل بوتيريس ان الولايات المتحدة تموّل الصراعات في قطاع غزة وأوكرانيا، لأنّ السياسيين الاميركيين يستفيدون من ذلك.
جاءت تصريحات بوتيريس خلال مقابلة خاصة مع وكالة “سبوتنيك، وقال فيها: “إنني أرى الامر على حقيقته… السياسيون يصبحون أثرياء من خلال تدمير الآخرين”.
أضاف: “إنّ الديموقراطيين والجمهوريين على حد سواء، يدعمون بأغلبية ساحقة، مبيعات الاسلحة لأوكرانيا وإسرائيل”.
والجدير ذكره، ان المرشح بوتيريس سيترشح عن المقعد الجمهوري في انتخابات مجلس النواب الاميركي المقبلة، لتمثيل المنطقة السابعة في ولاية أريزونا.
أعود لأقول: إنّ تجارة السلاح تدمر حياة الناس.. هذه حقيقة مؤكدة.. فالأسلحة والذخائر يتم إنتاجها وبيعها بكميات كبيرة وبدرجة صادمة.
فمنذ أكثر من خمس سنوات، بدأ سريان تجارة الاسلحة العالمية لتفرض قواعد صارمة لتنظيم عمليات نقل الاسلحة. لكن تجارة الاسلحة على المستوى العالمي، ما زالت تتسع وتواصل تأجيج انتهاكات حقوق الانسان. وذلك لأنّ بعضاً من أكبر الدول المصدّرة للأسلحة مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة الاميركية لم تصادق على المعاهدة، بل ان بعض الدول التي صادقت على هذه المعاهدة لا تلتزم بها، فتقوم بعمليات نقل الاسلحة والذخيرة الى أماكن تتصف بخطر إمكانية استخدام تلك الاسلحة لارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الانساني، بما في ذلك جرائم الحرب المحتملة.
إنّ تجارة الاسلحة غير المسؤولة، تؤثر على من يعيشون داخل وخارج مناطق النزاعات المسلحة والاضطرابات السياسية. فالعنف باستخدام هذه الاسلحة يُعدّ مأساة يومية تؤثر على أناس كثيرين. فالاسلحة والصواريخ الموجهة تدمّر المستشفيات والمنازل والأسواق ووسائل النقل والبنى التحتية، وتدفع بالناجين الى الجوع والفقر.
وفي غمرة هذا التداعي في النظام الاقليمي والدولي، تبدو الحروب الأهلية المتواصلة، وخصوصاً في سوريا واليمن وكذلك في ليبيا والعراق والسودان، قضايا مستعصية على الحل، كما تعتبر الصراعات الاقليمية على النفوذ، مثل المنافسة بين السعودية وإيران وتركيا، على نطاق واسع من العوامل التي تزيد الأمور تعقيداً.
ولا شك بأنّ هناك أربعة عوامل تضافرت بشكل خاص على تصعيد هذه الصراعات وإدامتها:
أولاً: إنّ توازن القوى الاقليمي بدأ يشوبه الغموض والتقلب في أعقاب انتفاضات العام 2011، وبفعل الغزو الاميركي للعراق في العام 2003.
ثانياً: إنّ النزاعات المحلية أصبحت المسرح الذي تدور عليه المنافسات الاقليمية المتواصلة على هيئة صراعات أوسع نطاقاً وأشدّ فتكاً.
ثالثاً: إنّ توريد السلاح الى مناطق الحرب تتعاظم بصورة حادّة. وهي صفقات تتنافس فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون بصورة نشطة.
رابعاً: إنّ الشرق الأوسط تحوّل، وبسبب وجود إسرائيل والتدخلات العالمية في شؤون هذه المنطقة، الى وكر دبابير من التدخلات العسكرية.
خامساً: إنّ إيران وحزب الله وسوريا والعراق واليمن… قد أرست “محور ممانعة” يجمعه العداء لإسرائيل، ويعارض نظام الأمن الاقليمي الذي تتزعمه الولايات المتحدة. فإيران سعت الى الإفادة من التصدّع المؤسّسي والانشقاقات الطائفية اللاحقة… فأثارت هذه التطورات فزع إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي كانت مخاوفها من تلك المخاطر تتقارب وتتقاطع خلال السنوات الأخيرة.
سادساً: إنّ سلوكيات القوتين العالميتين: الولايات المتحدة وروسيا، هي التي عزّزت التلاحم بين هذه التحالفات الوليدة وحوّلتها الى ما يشبه الكتل الاقليمية. ذلك ان تدخل روسيا العسكري في أيلول 2015 لنصرة بشار الأسد في سوريا، أدخلها في شراكة عسكرية مع إيران وسوريا وحزب الله.
وحاولت إدارة باراك أوباما أن تركب موجة الانقسامات الاقليمية، مع مواصلة التعاون مع إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات، والتفاوض في الوقت نفسه حول خطة العمل الشاملة في ما يتعلق ببرنامج إيران النووي.
سابعاً: هناك تلاقح متبادل بين الكتل. فعلى الرغم من شراكتها مع إيران في سوريا، حافظت روسيا على علاقات مع أغلب دول المنطقة ومنها شركاء أميركا في الميدان الأمني كتركيا.
ثامناً: في ظلّ غياب الحديث عن دولة فلسطينية، ستظلّ إسرائيل تفتقر الى علاقات ديبلوماسية أساسية مع دول تحاول الوصول إليها من خلال التطبيع.
مقابل هذه الحلقة المعقدة، تلعب المملكة العربية السعودية وإيران وإسرائيل والولايات المتحدة وروسيا، دوراً حاسماً على ما يبدو في تشكيل التوازن الأمني الاقليمي الجديد.
وهنا يبرز دور بيع السلاح الى القوى المتصارعة في المنطقة، لأنّ الأمر بات يحمل طابعاً وجودياً، بينما يحصد بعض القادة منافع سياسية إضافة الى المنافع المادية.
إنّ إيران باتت تلعب دوراً مدمراً في هذا الشرق، مبرّرة ذلك بإقامة رادع عسكري.