تأثيرات الحرب المحتملة على الاقتصاد الإقليمي والعالمي

المحامي  أسامة العرب

مع تزايد احتمالات نشوب حرب شاملة بين إيران وإسرائيل، تبرز المخاوف حول التداعيات الاقتصادية المحتملة على البلدين والمنطقة بشكل عام، بالإضافة إلى تأثيرات قد تمتد إلى الاقتصاد العالمي.

 لذا، نهدف في هذا المقال إلى تقديم تحليل معمق لهذه التداعيات مع استعراض التوقعات المستقبلية.

تأثير حرب غزة على الاقتصاد الإسرائيلي

 عمومًا، إنّ الاقتصاد الإسرائيلي يعاني فعلًا من تبعات الحرب المستمرة في غزة، وقد يواجه ضغوطًا إضافية، حيث شهدت البلاد انكماشًا اقتصاديًا بنسبة 21.7% في الربع الأخير من 2023، ومع توسع الصراع لاحقاً ارتفع الانفاق العام بنسبة 86%، وازدادت هذه الضغوط الاقتصادية بشكل كبير.

كما أن تكاليف الحرب على غزة كانت هائلة بكل المقايس، حيث بلغت حوالي 80 مليار دولار أميركي، مع توقعات بتجاوز هذه التقديرات إذا استمر التصعيد. إلى جانب هذا الثمن الباهظ والمباشر، فقد تعرّض الاقتصاد الإسرائيلي لخسائر في قطاعات متعددة مثل السياحة، التجارة، والاستثمار. بالإضافة إلى ذلك، فقد شهدت صادرات البلاد تراجعًا كبيرًا بسبب الاضطرابات الأمنية الداخلية والخسائر البشرية الميدانية.

علاوة على ذلك، فقد تأثرت إسرائيل سلبًا نتيجة لتخفيض تصنيفها الائتماني من قبل وكالات التصنيف العالمية مثل «فيتش»، حيث تم تخفيض تصنيفها من «+A» إلى «A» مع نَظْرَة مستقبلية سلبية جداً، خصوصاً أن هذا التخفيض جاء نتيجة التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، واستمرار الحرب في غزة، وهو ما يزيد من تكاليف الاقتراض، ويحدّ من قدرة إسرائيل على جذب الاستثمارات الأجنبية.

تأثّر الاقتصاد الإسرائيلي حال الردّ الإيراني على اغتيال اسماعيل هنية

إنّ إسرائيل التي تواجه بالفعل عجزاً اقتصادياً كبيراً وأزمة اقتصادية خانقة، قد تتعرض لضغوط هائلة إذا اندلعت الحرب مع إيران، فالاقتصاد الإسرائيلي يعاني من هبوط وتراجع في قيمة الشيكل المحلية، مما يجعل البلاد في وضع هش أمام أي تصعيد عسكري.

وبذلك في حال اندلاع الحرب، قد تتفاقم الأزمات الاقتصادية في إسرائيل، التي تواجه نقصًا حادًا في المواد الأساسية، بالإضافة إلى تراجع صادراتها أكثر فأكثر، نتيجة للاستهداف المحتمل لبنيتها التحتية ولمستوطناتها الشمالية. كما أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى أزمة اقتصادية ومالية عميقة في إسرائيل، مع تأثيرات مدمّرة على الاستقرار الاجتماعي في الشمال الإسرائيلي.

التأثيرات على حركة الاستثمارات الإسرائيلية

إن الحرب مع إيران لن تكون مقتصرة فقط على اقتصاد إسرائيل، بل ستؤثر على كل شركائها، فهذا الصراع سيزيد من حالة عدم الاستقرار، مما سيؤدي إلى انسحاب الاستثمارات الأجنبية وتأجيل المشاريع الاستثمارية من قبل الدول المتحالفة مع الكيان الصهيوني.

كذلك، فإن التوترات المتزايدة قد تؤثر بشكل كبير على أسواق الطاقة، خاصةً إذا شمل الصراع مناطق حيوية مثل مضيق هرمز، الذي يُعتبر ممرًا استراتيجيًا لشحنات النفط العالمية، فأي اضطراب في هذه المنطقة قد يؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط والغاز، مما سيؤثر بشكل مباشر على الاقتصادات الأجنبية المعتمدة على الطاقة في الشرق الأوسط والعالم.

علاوة على ذلك، قد تتسبب الحرب في تعطيل سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف النقل، مما سيؤثر سلبًا على حركة التجارة الإقليمية والدولية. وعليه، فهذا التراجع في التجارة سيؤدي إلى زيادة التكاليف الأمنية وتراجع الثقة في استقرار المنطقة.

التأثيرات الاقتصادية العالمية

على المستوى العالمي، يمكن أن يكون للصراع بين إيران وإسرائيل تأثيرات غير مباشرة ولكنها كبيرة، كارتفاع أسعار النفط والغاز نتيجة للاضطرابات في الممرات المائية الحيوية، وبالأخص في خليج عدن، ما قد يؤدي إلى تضخم عالمي، يزيد من تكاليف المعيشة في العديد من البلدان الغربية ويؤثر على النمو الاقتصادي العالمي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل قد يؤدي إلى تدخلات من قبل القوى الإقليمية الصديقة والقوى العالمية الكبرى، مما يزيد من حدّة الأزمة ويؤثر على استقرار الأسواق المالية العالمية. وبالتالي، في ظل هذا الوضع المتأزم، قد تتزايد المخاطر الجيوسياسية، مما يزيد من احتمالية حدوث اضطرابات في الأسواق المالية العالمية وتراجع الثقة الاقتصادية بالغرب.

توقعات مستقبلية

في حال اندلاع الحرب، ستواجه كل من إسرائيل وإيران تحديات كبيرة في التعافي الاقتصادي، فبالنسبة لإسرائيل، سيكون التعافي عملية طويلة تتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية وإعادة بناء القطاعات المتضررة. كما ستواجه البلاد تحديات كبيرة في استعادة الثقة في الاقتصاد وحفظ أمن المستوطنات وجذب الاستثمارات مرة أخرى.

أما بالنسبة لإيران، فسيكون التعافي أسهل، لأن الأخيرة لا تعتمد على الغرب واعتادت بناء اقتصادها رغم العقوبات الأميركية عليها، وتعلمت كيفية تحسين الاستقرار الاجتماعي في وطنها في ظل أكبر التحديات، لاسيما لجهة كيفية إجراء استثمارات آسيوية كبيرة في مجال إعادة تأهيل البنية التحتية وتعزيز الاستقرار المالي لأسواقها المالية، إلى جانب تحسين علاقاتها الدولية مع دول البريكس ومنظومة شنغهاي لتخفيف العقوبات الاقتصادية عنها.

أما على الصعيد الإقليمي، فسيكون من الضروري تعزيز جهود إيقاف اطلاق النار في غزة وانسحاب جيش إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة وفقًا لقرار محكمة العدل الدولية، وذلك لتجنب المزيد من التصعيد، وللتوصل إلى حلول دبلوماسية فعالة. كما يتوجب على المجتمع الدَّوْليّ، أن يؤدّي دورًا مهمًا في دعم استقرار المنطقة، ووقف الهولوكوست الفلسطيني في غزة.

وختامًا، إن التصعيد العسكري المحتمل بين إيران  ولبنان واليمن والعراق من جهة وبين إسرائيل وأميركا من جهة أخرى قد يؤدي إلى أضرار اقتصادية جسيمة بالكيان الغاصب، وهذا ما أكّده سماحة السيد حسن نصر الله، الذي توعّد بهدم مصانع إسرائيلية في الشمال الفلسطيني المحتلّ تصل قيمتها إلى ١٣٠ مليار دولار أميركي، ما معناه أن تأثيرات الحرب على اقتصاد إسرائيل ستكون باهظة جداً، وأن التعاون الدَّوْليّ والحلول الدبلوماسية لإنهاء حرب غزة هما المفتاح الوحيد لتجنب هذه الكارثة الإسرائيلية الاقتصادية والهزيمة العسكرية الصهيونية المدوّية.

وفي النهاية، يجب أن يكون هناك اهتمام عالميّ بتجنب التصعيد، والعمل على تعزيز الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط لضمان مستقبل أمني واقتصادي مستدام، لاسيما لشعب الجبارين، الشعب الفلسطيني المقاوم الأبيّ.

المحامي  أسامة العرب

التعليقات (0)
إضافة تعليق