بين المعلن وغير المعلن: كلام لا يُقال

بقلم جوزفين ديب

«أساس ميديا»

طوال العام الماضي، كان لافتاً حجم التمييع لنتائج زيارات قام بها مسؤولون لبنانيون إلى الخارج. منذ بدء الحرب على غزة، وبدء حرب الإسناد حتى اليوم، جرى إخراج خلاصات تلك اللقاءات بشكل دبلوماسي لا يعكس حقيقة الرسائل المباشرة الموجّهة من عواصم القرار إلى لبنان. وعوضاً أن تبادر مراكز القرار في لبنان إلى الإفصاح عن تهديد إسرائيلي واضح لتنفيذ الـ1701، جرى استبدال التحذيرات الدولية بخطاب دبلوماسي حاول التخفيف من وطأة تلك الرسائل تحت عنوان: لا حرب في لبنان ولا يمكن للأميركيين أن يسمحوا بـ”غزة 2″ في بيروت، وأنّ الجيش الإسرائيلي عاجز عن فتح أكثر من جبهة… إلى أن انتهت المساعي الدبلوماسية وصار وقت الحرب.

لكنّ محاولات التمييع لم تنتهِ بعد. بين ما يحكى وما هو مطلوب على أرض الواقع فروقات كثيرة، هي إمّا تعبّر عن أمنيات، وإمّا هي ما يُعرف في لبنان بشطارة أهل السياسة في اللعب على الكلام.

 بين الـ1701 والـ1701+، وبين سقوط الـ+ وعدم سقوطه، يكاد يكتسب السجال الكثير من السذاجة. فالمصادر الدبلوماسية تقول لـ”أساس”: “سمّوها ما شئتم، لن نختلف إذا اخترتم التسمية التي تناسبكم، لكنّ المطلوب واحد. المطلوب هو التزام وتطبيق السلطات اللبنانية لمضامين ومندرجات الـ1701 بكلّ ما فيه من قرارات دولية أخرى وأبرزها الـ1559”. وتضيف المصادر إنّ أقصر الطرق لتحقيق ذلك هو انتخاب رئيس جمهورية موثوق من المجتمع الدولي وتشكيل حكومة قادرة وإعادة البلد إلى سكّة مؤسّساته الأمنيّة والدستورية، وعندها وبدعم دولي وإقليمي مباشر يستطيع المجتمع الدولي أن يثق بمؤسّسات البلد لتطبيق القرار. وهذا قد يكون أكثر سيناريو قبولاً وطلباً من المجتمع الدولي.

لكنّ هذا السيناريو يفترض حسن نوايا وإرادة الطبقة السياسية في لبنان التي خسرت ثقة الخارج. فالمصادر الدبلوماسية الغربية تقول إنّ “حسن النوايا لم يعد كافياً بعد تجربة عام 2006 وعدم التزام لبنان بالقرار الدولي. لا بل إنّ تطوير قدرات الحزب وبناء الأنفاق التي تدمّرها إسرائيل هي دليل على ذلك”.

وبالتالي أيّ محاولة تمييع أو تهرّب ستقابل بمزيد من دورات العنف في لبنان. وهو ما يعني أنّ عدم تشكيل سلطة قادرة على التنفيذ سيعني تعديلاً على القرار الأممي بما يكفي لضمان تنفيذه. أكان ذلك عبر تعديل مهامّ قوات اليونيفيل أو إقرار آلية تنفيذية قد تذهب باتجاه نشر قوات متعدّدة الجنسيات كما سبق أن نقلت “وكالة الصحافة الفرنسية”.

من جهته، يؤكّد رئيس مجلس النواب نبيه بري في كلّ تصريحاته أنّه يرفض تعديل مهامّ اليونيفيل، بينما تقول المصادر إنّ هذا الكلام لا يكفي، ولا التزام الرئيس بري يكفي للجم التصعيد وتنفيذه القرار بالقوّة، تماماً كما سبق أن حصل قبل الحرب حين كانت التحذيرات تتوالى من موفدين دبلوماسيين فيما المسؤولون اللبنانيون في حالة إنكار ومكابرة جماعية.

بين الرّياض وعمّان

في هذه الأثناء، دعت الرياض إلى عقد قمّة عربية إسلامية في الشهر المقبل. وقد سبقتها قمّة مماثلة عُقدت مع بداية حرب غزة. وفيها أعلنت طهران موافقتها على حلّ الدولتين. اليوم تعود المملكة لتجمع الدول الإسلامية الكبرى الثلاث، أي السعودية وتركيا وايران، إلى طاولة واحدة وعلى جدول أعمالهم بند غزة وبيروت. وهذا بحدّ ذاته له دلالات انطلاقاً من مستجدّات الإقليم، ونهاية فصل الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران بما يوحي بتسوية مقبلة بعد الانتخابات الأميركية. 

أمّا الأردن، صاحب العلاقة الممتازة مع واشنطن وبيروت، فيسعى إلى لعب دور في مساعي وقف إطلاق النار وتمكين الجيش اللبناني من إدارة المرحلة المقبلة أمنيّاً في الجنوب. لذلك كان لافتاً استقبال قائد الجيش العماد جوزف عون ودعم المؤسّسة في الساعات الأخيرة، كما كان لافتاً حجم المساعدات الإنسانية للنازحين. ووفق مصادر دبلوماسية عربية، يدخل الأردن إلى الملفّ اللبناني من بوّابة قدرته على التأثير على خطّ واشنطن، وقد أجرى أكثر من جولة تفاوضية مع القاهرة والرياض في زيارات قام بها الملك الأردني عبدالله الثاني في الفترة الأخيرة.

تنتظر هذه الحركة العربية نضوج قرار تل أبيب بالانتهاء من هذه الحرب على أن تضمن عدم وجود سلاح على حدودها، وعدم استرجاعه من جانب الحزب…. فيما الموفد الأميركي آموس هوكستين في تل أبيب سيحاول إنجاز اتّفاق صعب، لكنّ حسابات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم تنتهِ بعد.

جوزفين ديب

التعليقات (0)
إضافة تعليق