كتبت ريتا شمعون
رغم الموجة القطبية شديدة البرودة التي تأثر بها لبنان والتي ترافقت مع أمطار وتساقط للثلوج على الجبال، في الأيام الماضية، إلا أن تأثيرها لا يزال غير كاف لإنقاذ الموسم الشتوي الذي يعاني من نقص في كميات الأمطار، هذا النقص أو الجفاف يهدد بكارثة مائية حقيقية في لبنان، وتداعياته تطال المياه الجوفية والينابيع والأنهار، وصرّحت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني في بيان عن توقيف كلي لمعمل عبد العال وتوقيف جزئي لمعملي أرقش وحلو لمدة ستة أسابيع إعتبارا من 17 آذار 2025 بسبب الجفاف الحاد الذي يشهده لبنان هذا العام ، وهو الأسوأ منذ 65 عاما.
ويشكل هذا التراجع الحادّ في نسبة المتساقطات مصدر قلق للبنانيين الذين باتوا ينامون ويصحون على امل أن يمنّ آذار ببعض الأمطار متخوفين من تفاقم الظاهرة وتداعياتها السلبية على توافر مياه الشرب.
وعليه، سيتمّ البدء بالتقنين القاسي جدا للمياه بسبب الشحّ في الآبار والبحيرات بسبب انخفاض المتساقطات بنسبة 70% مقارنة بالسنوات الماضية، هذا ما أعلنه المدير العام لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان جان جبران، محذرا من كارثة في الصيف على مستوى المياه.
والأسئلة المطروحة، هل بات الأمن المائي مهدداً؟
وما هي الحلول، خصوصا أن مواردنا من المياه العذبة تتضاءل ؟
وفيما لم يعد الحصول على المياه في لبنان حقا مضمونا بل صار إمتيازاً لمن يستطيع الدفع في سوق تتحكم فيه الصهاريج وأصحاب الآبار وتجار الأزمة، وبينما الدولة تواصل لعب دور المتفرج ، من المؤسف أن تبقى مسألة التعرفة أو قلة الأمطار أو سوء الإدارة أمام مفارقة قاسية.
الدكتور غسان بيضون، مدير عام الإستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه يوضح في حديث لجريدة “الشرق” أن شحّ المياه هذا العام قد يتسبب بالجفاف الذي سيؤدي الى انخفاض إنتاج الطاقة بالدرجة الأولى ، حيث يعتمد إنتاج الطاقة الكهرومائية في معامل الليطاني بشكل رئيسي على المياه، رغم أن كمية الطاقة الكهربائية المنتجة من المعامل الكهرومائية لا تمثل إلا نحو 25% من الطاقة الموجودة على الشبكة.
وأكد أن مشكلة نقص المياه، لا يمكن وصفها بأنها كارثة، ولا يمكن إنكارها، نظرا الى ان الشحّ يعني تراجع كمية المياه الجوفية، مستندا على دراسة قام بها رئيس مصلحة الأبحاث الزراعية المهندس ميشال افرام، وهي أن لبنان يشهد هذا العام أحد أكثر المواسم جفافا في السنوات الأخيرة، حيث تشهد كمية الأمطار إنخفاضا إذ سجل لبنان كميات أقل من المعدل المعتاد، وهو ما يعمّق المشكلة إلا ان نسبة المتساقطات وفق بيضون، تبقى مرهونة بالطقس المتوقع في الأشهر المقبلة لغاية أيار المقبل ، ولذلك لا يمكن أن نبني واقعا كارثيا، حتى لو لاحظ الباحثون تراجعا كبيرا في تدفق مياه الينابيع وجفاف العديد منها، وكذلك البحيرات التي تعاني من تراجع في مخزونها بشكل حادّ للعيان والتي كانت تشكل حلاً لسدّ الحاجات المنزلية والزراعية في القرى اللبنانية خلال فصل الصيف مضيفا: عندما لا يكون لدى المجتمعات المحلية ما يكفي من المياه للشرب والصرف الصحي قد تؤثر سلبا على الموارد المائية والحياة اليومية.
ويوضح بيضون،مما لا شكّ فيه، أنه بسبب الشحّ في الآبار والبحيرات سيتم البدء بالتقنين القاسي قريبا، مع تعذر تأمين المياه الى بيوت معظم اللبنانيين بسبب عدم قدرة مؤسسات المياه على تامينها، وتقنين كميات المياه الموزعة على اللبنايين، ما يجبر المواطن على شراء المياه عبر الصهاريج، وفي الوقت عينه ، يضطر لشراء مياه الشرب لافتا الى أن التخطيط لإدارة الأزمة لا يعني بالطبع خطة متسرعة مشددا على أهمية إتخاذ إجراءات إستباقية، ووضع خطة وطنية جدّية لتحديد الوضع المائي للبنان قائلاً: يمكن تقسيم طرق الأزمة، منها حفر آبار ارتوازية جديدة على الأراضي اللبنانية.
وعلى الرغم من تعدد مصادر المياه في لبنان، فإن الواقع العملي يظهر عجز وفشل مؤسسات المياه في لبنان في تحسين خدماتها وتوسيع نطاق تغطيتها على مستوى المناطق، بغياب استراتيجية علمية لقطاع المياه في لبنان، فالمؤسسات لا تفعل شيئا إلا رفع رسم الإشتراك السنوي بشكل إعتباطي وعشوائي، وأخطر ما في ذلك سوء الإدارة والنهج الخاطىء منذ عشرات السنين لتغطية الهدر والفساد في تلك المؤسسات، فيما يجب ان تكون الرسوم أو الزيادات مناسبة ومبررة اقتصاديا، وبذلك عندما ترغب المؤسسة بوضع نظام تعرفة يتوجب عليها موافقة وزارة الطاقة وهي سلطة الوصاية.
وطالب بيضون بتصحيح العقود المجحفة بحق المشتركين ، والمنتفعين من مياه الشفة والري، التي تحدد العلاقة بين المؤسسة وطالب الإشتراك،حيث يتوجب على طالب الإشتراك بالمياه عند توقيع العقد دفع الرسم السنوي حتى لو لم يتم تأمين المياه لمنزله، وعلى هذا الأساس يشدّد على ضرورة اعادة النظر فيها، وكذلك بالرسوم السنوية متسائلاً: هل كميات المياه المنصوص عليها في عقد الإشتراك التي يمكن أن تعطى بواسطة العداد” العيار” وفقا لبيوت السكن ” متر مكعب يوميا ” مطابقة للكميات التي تصل الى البيوت ؟
وماذا لو حصل عطل مفاجىء في شبكات التوزيع، وتدّنت كمية المياه هل يتم مقابل ذلك تعويض الكمية المهدرة؟
أسئلة لنفكر في إجاباتها ولربما نعرفها لكن، يقول بيضون، إن الضحية على الدوام الذي يأكل حصرم الأزمات اليومية، هو المواطن الذي كان يدفع فواتير المياه مرتين، وربما ثلاث مرّات مرة للصهريج ، ومرة للشرب، ومرة لجابي المياه ، وكما يبدو أن حركة الصهاريج التي تمدّ الناس بالمياه، لن تهدأ هذا الصيف، هذا الواقع يشكل أحيانا دافعا للأهالي للتملّص من دفع اشتراكاتهم السنوية.
وقال بيضون، بالإضافة الى سوء الإدارة وانخفاض هطول الأمطار، فإن البنية التحتية المتهالكة لا تزال تهدر كميات هائلة من المياه يوميا بسبب التسربات في الأنابيب القديمة ، هذه الخسائر الهائلة تساهم في تفاقم الأزمة بشكل كبير، حيث أصبحت مشاهد الأنابيب المتفجرة والمياه المهدرة في الشوارع مشهدا مألوفا في العديد من المدن والقرى اللبنانية فضلا عن التعديات والمخالفات على شبكات المياه في لبنان، في الوقت الذي كان يفترض فيه قمع تلك المخالفات بصورة دورية.
وردا على سؤال، يؤكد بيضون، لقد ثبت بالتجربة والبرهان أن استراتيجية السدود لتجميع المياه ثم نقلها الى المناطق لا يمكن التعويل عليها لا القائمة حاليا أو تلك المنوي انشاؤها في المناطق اللبنانية مشيرا الى أن السدود وحدها غير كافية مضيفا: ينبغي على المؤسسات أن تدير جانب الطلب على المياه وتعمل على زيادة قدرات التخزين ، مثل حفر المزيد من الآبار في عقارات تابعة للقرى والمدن لزيادة عدد مصادر المياه.